تفسير الأحلام لــ سيجموند فرويد

تفسير الأحلام  لــ  سيجموند فرويد


يجمع المشتغلون بالتحليل النفسي على أن « تفسير الأحلام ، خير ما كتب فرويد وأكثر مؤلفاته أصالة . ويرى فرويد هذا الرأى نفسه ، فقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب سيئة ۱۹۰۰ وها هو ذا فروید سنة ۱۹۳۱ بعد أن نشر عشرات الرسائل والكتب يسجل رأيه في كتابه هذا فيقول عنه : ( إنه حتى فيما أرى اليوم بحري أيمن الكشوف الى شاء حسن الطالع أن تكون من نصيبي ، فمثل هذا
الحدس لا يأتي العمر مرتين .
ولكن في هذه الحملة الأخيرة تواضعا شديدة ، لأن الحقيقة أن الأحلام مسألة شغلت اهتمام الإنسان منذ أقدم ما نعرف من العصور ، كما بدلنا على ذلك ما جاء في القرآن والكتاب المقدس عن قصة يوسف ، وما تراه فيها وصل إلينا من آثار القدامى في الحضارات الهندية والصينية والعربية ( مثل كتاب ابن سیرین وغيره ) . وليس أدل على ذلك من أن المعلم الأول أرسطو أفرد مؤلفين لموضوع الأحلام كما أن أب الطب هیپوقراط أنشأ فصلا عن العلاقة بين الأحلام والأمراض في كتابه الذي وصل إلينا . وظل الاهتمام بموضوع الأحلام لدى الفلاسفة خلال القرون الوسطى ثم لدى العلماء والفلاسفة في العصر الحديث كما سيتبينه القارئ من الفصل الأول من هذا الكتاب .
إنها الحقيقة جديرة بالتأمل : أن تشغل مسألة الأحلام الإنسانية بأسرها ، شعوبها ورواد الفكر فيها ، ثم تبقی مع هذا دون حل حاميم حتي يناهز القرن التاسع عشر نهایته ويظهر سيجموند فرويد فيحل اللغز الذائع الصيت . المسألة إذن ليست وحدا لا يأتي

العمر مرتين ، وإنما هي من الحدس الذي لا بتاح إلا مرة في قرون .
علينا الآن أن نسأل أنفسنا لم امتنع الحل طوال هذه الأحقاب ، ولما كان من نصیب فرويد دون غيره أن يكشف عن طبيعة الحلم، إنه لا يسعنا أن نجيب عن هذين السؤالين دون أن نستضيء ببعض الحقائق الأساسية التي يضمها هذا الكتاب ، ذلك أن الحلم ليس أمرا مستقلا عن سائر أحوال النفس - في يقظتها – بل هو يتصل بها أوثق الاتصال ويكون حلقة من حلقات الحياة النفسية , ويزيد خطورته أنه يعبر عن أمور
لا يسعنا حتى مجرد الإحساس بها أثناء البقظة ، ويحيط بما علي عليه الزمان من الأحداث والخبرات الأولى فييعها أمام ناظرنا ، فتضح لنا الصلة بين ماضي القرد وحاضره ، ويستبين ما كان قد استغلق علينا فهمه من أحوال الإنسان ، حتى استحق الحلم وصف فرويد : إنه الطريق الأمثل إلى أعماق النفس ،
بل إنا لنتبين في الحلم سمات على آثار قديمة ترجع إلى عهود غايرة من تاريخ الإنسانية ومنطقة غريبة نابية لا نعهده في يقظتنا إلا حين تنظر في أحوال المجنون أو الرجل البدائي أو الطفل الصغير ، وأسلوبا في الخيال والتعبير شديد الشبه بأسلوب الأساطير وعقائد المجتمعات القليلة الحظ من الحضارة ، وبعبارة أخرى إن الحلم نافذة تطل على اعماق النفس برای البصر منها إلى آفاق تصل إلى طفولة الإنسان ، لا بل إلى فجر تاريخ الإنسانية مراحل تطورها جميعا ، فضلا عن أنها تجمع في أفق واحد بين العقل والجنون من حيث أن الحلم خبرة من خبرات الإنسان الصحيح العقل ولكن طبيعته الهلوسية لا تختلف عن هلوسة المجنون . ومعنى ذلك أن الكشف عن طبيعة الحلم إنما يكشف عن طبيعة العقل والحنون جميعا .
يتضح إذن أن مشكلة الحلم أعظم شأنا مما يبدو لأول وهلة وأن من يعقد العزم على أن يزيح الستار عن طبيعته إنما يواجه مشكلة طبيعة النفس الإنسانية بأسرها . وقد كان ذلك بين الأسباب التي جعلت موضوع الأحلام أمرأ عسيرة ممتنعا على الفهم العلمي الصحيح قرون عديدة . ومن أجل ذلك كان ، تفسير الأحلام ، يضم في الحقيقة بين دفتيه أخطر الاكتشافات في تاريخ معرفة الإنسان بنفسه ، وكان صدوره فتحا لا يدانيه أى فتح في العلوم الإنسانية ، ونقطة تحول بالغة الأثر في تطور علم النفس والطب النفسي جميعة ، حتشبه البعض بکتاب کوپرنیکس الذي طلع بثورة فكرية أرست قواعد علم الفلك الحديث.






ذلك أننا نقف في هذا الكتاب على المعنى الصحيح الأخطر اکتشافات التحليل النفسي وأعني به ما اصطلح عليه بالعمليات الأولية والعمليات الثانوية ، فدراسة الأحلام تتيح لنا أن نتعمق كلا منها ، وأن نفهم ما يقوم بيها من العلاقات ، فيتضح لنا الارتباط بين أشياء كان يظن أنها متباينة مستقلة بعضها عن بعض ، وتشعر بأن ضياء قد بددت الظلمات التي كانت تكتنف أشتات الحياة النفسية . فا أن ندرك طبيعة العمليات الأولية التي يقوم عليها بنیان الحلم حتى تنجلى لنا معالم منطق فريد بمختلف اختلافا ملحوظة عن منطقنا الذي نألفه اثناء اليقظة في المجتمعات المتحضرة (أي منطق العمليات الثانوية )، ولا تلبث أن تفطن إلى أن منطق العمليات الأولية إنما هو المنطق الذي ينسج هذيان المريض على منواله ، حتي صح القول بأن الحلم مرض نفسي قصير يستغرق الليل ، وأن المرض التفسير حلم طويل يستغرق الليل والنهار ،
ولا يقتصر الأمر على ذلك ، فإننا إذ ننعم النظر في منطق الحلم لا تلبث أن ندرك أنه المنطق الذي يعتنقه كل منا في فجر حياته ( أي أثناء الطفولة الأولى ) وهو كذلك المنطق الذي تعتنقه الإنسانية في فجر الحضارة فضلا عن أنه عين المنطق الذي يصدر عنه خیال الشعراء وغيرهم من الفنانين ، وإذا استرشدنا ما ظفر نا به من الفهم ، وتابعنا التنقيب في سائر أحوال الإنسان رأينا غموضها وقد استحال وضوحة ، وكأنها اصطفت جميعا في صعيد واحد ، ومن الجلى أن هذه هي الصفة التي تميز الاكتشافات الكبرى : أعنی تقریب الثقة بين الأشياء الكثيرة المتباعدة وانخراطها في نظرة واحدة تؤلف بينها ، كما حدث مثلا عند اكتشاف وحدة الموجات الضوئية والموجات الكهربية المغناطيسية وغير ذلك من الظاهرات
الفيزيقية
وهكذا ندرك أن صفحات و تفسير الأحلام ، قد اشتملت الأسس التي قامت عليها دراسات فرويد اللاحقة في شتى نواحي الحياة الإنسانية ، وأعني بذلك ما نشره في أعقاب
تفسير الأحلام، من المؤلفات الأساسية مثل كتابه في : علم النفس المرضى في الحياة اليومية ، ثم كتابه و الطوطم والتابو ، الذي أرسى فيه قواعد على الأنثروبولوجيا الاجتماعية الحديثة ، ثم كتابه المشهور و ثلاث مقالات في النظرية الجنسية و الذي عالج فيه العلاقة بين اضطرابات النمو النفسي الجنسي أثناء الطفولة وبين ما يلم بالراشد من أمراض وانحرافات نفسية ، ثم دراساته الاكلينيكية في الطب النفسي وبخاصة « طرف من تحليل

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget