الماركسية والإسلام لـ مصطفى محمود

الماركسية والإسلام  لـ  مصطفى محمود



الحرية هي نقطة البدء
وليست الحرية هي أن نجد ما تأكله ( كما يعرفها بذلك الماديون أصحاب فلسفة المضمون الاجتماعي للحرية ) فالحيوان يجد ما يأكله . وضمان الطعام لا يكفي ليجعل من الإنسان إنسانا .. فالإنسان حیوان حريفكر لنفسه ، ويقرر لنفسه ، وقد يختار الجوع فيصوم ، وقد
يختار الموت دفاعا عن قضية فيموت .. وقد يتطوع في حرب انتحارية يعلم أنه لن يعود بعدها ، لأنه قرر أن يقول : الا..
وفي هذه القدرة على أن يقول : لا ، للظلم ، ولاء للباطل ، يكمن المعني الوحيد لحريته .
فإذا سلمناه هذه الحرية فإنا نسليه في الوقت نفسه الوسيلة الوحيدة لخلاصه . فلا فضيلة لمن يطيع القانون خوفا .
وأمام الخوف والإرهاب يمكننا أن نتصنع الفضيلة ، ولكن لا يمكننا أن نكون فضلاء حقيقة لأن الخوف بسلينا الكرامة .. والعطاء يستحيل أمام من يذكرني في كل لحظة أني مجبر مكره على العطاء، وأي عطاء هذا الذي
الماركسية والإسلام  لـ  مصطفى محمود

سوف أعطيه .. ربما أعطبت بالقول والكلام وبالكذب والنفاق ، ولكني لن أعطى بالفعل .. والنتيجة هي مجتمع المخاوف والزلفي ، وطلب الحماية بالتقرب إلى السلطة وطلب الأمان بالكذب على الرؤساء وطلب المنفعة بالتجمع في شلل .
والإجادة والإتقان والعمل بضمير وإخلاص قيم لا يمكن إحكام الرقابة عليها ، والنتيجة أن الحاكم لن يجد الوسيلة إلى ذلك المستوى من الإنتاج الذي يحلم به لأن المحبة مفتقدة ، والخوف هو الذي يقف رقيبا على جميع الآلات.
أما الكلام عن نشر الأخلاقيات الجديدة بالتلقين المستمر عن طريق الإذاعة والشعارات والملصقات فهو تفاؤل ساذج . فالأخلاق تنمو بتفاعل من الداخل وليس بالإملاء .. والتلقين مجرد طلاء من الخارج ، إن لم يجد السطح الملائم لاستقباله فإنه يجف ويسقط من فوقه بعد قليل.
التغيير الأخلاقي أعمق كثيرة من مجرد التلقين ؛ إنه اقتناع داخلی ، وارتباط وجداني ، واعتناق يحتاج إلى الحرية المحضة ،
والجندي الجبان لا يمكن أن يتحول إلى جندی شجاع بعد برنامج إذاعة .. والمؤثرات العفوية التي يمكن أن تلقيها كلمة إذاعية في قلب جندي ما تلبث أن تتبخر بعد أول طلقة ،، وإنما شجاعة المحارب لا تكون إلا نتيجة إيمان واقتناع ومحبة مطلقة لشيء يؤمن به ويدافع عنه حتى الموت .. هذا الشيء لا يمكن أن يعتنقه إلا عن حرية كاملة وأختيار .. الحرية هي روح الموقف الأخلاق .
وبدون الحرية لا أخلاق ولا إخلاص ولا إبداع ولا إتقان ، ولا واجب ؛ من أجل أن نلتزم بواجب لابد أن نأخذه على عاتقنا بكامل حريتنا ، لا لمجرد تكليف من رئيس .
وتأجيل الحرية بدعوى الوصاية على الشعب في مرحلة انتقال هو قرار في الوقت نفسه بتأجيل الصدق والأمانة والشجاعة الضرورية لقيام المجتمع السليم ،
الحرية إذن هي نقطة الانطلاق.|






ولكن الحرية الآن موضوع مختلف عليه ، وكل فرقة سياسية تفهمها فهما خاصا
وقد ظلت الدماء تسيل بطول التاريخ في صراع المبادئ والطبقات ، وكان القتلة من جميع الأطراف يقتلون دائما باسم الحرية وتحت رايتها
والحرية اليوم عند أهل المين غير الحرية عند أهل اليسار.
الحرية في النظام الرأسمالي هي أن تفعل ما تشاء ، ومثلك ما تريد .. إن شئت امتلكت صحيفة ودار نشر ومحطة إذاعة ومجمعة للحديد والصلب ومنجما للنحاس وآبارا للبترول ، مادمت تدفع الضريبة وتملك الثمن . . ولكن هذه الحرية سوف تتفاقم آليا لتصبح احتكارة يتحكم في السلعة وفي السعر وفي البورصة ، وبالتالي سوف تسلب الآخرين حرياتهم وتستغلهم وتتحكم في رقابهم .. ومن رأس المال الذي سوف يتضاعف تلقائيا سوف يصبح في إمكانك أن تشتري أصوات الناخبين ، وتدخل البرلمان ، وتؤلف حزبا ، وتوجه دفة الحكم لصالحك ، وتثير الحروب لتشغيل مصانعك ولتر ویج ما تنتج من بنادق ودیا بات ، و بالتالي سوف تزداد الرقعة التي تتحكم فيها في رقاب الآخرين ، وسوف تتضاعف قدرتك على سلب الحريات ، لتتحول في النهاية إلى استعمار وإلى تدمير وتخريب وقتل تصدره إلى الخارج كل يوم .. وحرياتنا في مقاومتك لن تتجاوز صرخات في الهواء وقصاصات ورق .. مجرد عواء في ځواء .
وحريتك بهذا المعنى تضمنت عبوديتنا من البداية ، ، وسوف تنتهي إلى عبوديتك أنت في النهاية .. عبوديتك لرأس المال الذي وقفت نفسك على خدمته .. وفي النهاية سوف تصبح وقودا للحرب التي تشعلها .
والحرية بهذا المعنى تناقض نفسها ، فهي تقضي على حرية الآخرين ، وفي النهاية تقضي على حرية صاحبها .
وهذا رفضنا الحرية بالمعنى الرأسمالي .


الماركسية والإسلام  لـ  مصطفى محمود 



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget