الأحلام لـ مصطفى محمود

الأحلام  لـ  مصطفى محمود


الإنسان تتأكله شهوة غامضة خطرة. أخطر من شهوة الجنس.. وأخطر من شهرة الطعام.. هي شهوة العقيدة.. شهوة اليقين.. الشهوة إلى شيء يؤمن به ويصدقه.. وهو في سبيل هذه الشهرة، قد يؤمن بحجر أو صنم أو تعويذة أو حجاب أو در ويش أهبل.. ليس لأنه ساذج أو مغفل، وإنما لأنه ضعيف.. به ميل فطرى.. وشوق غریزی حاد إلى هدف يرتبط به.. وكلمة يصدقها وعقيدة بعتقدها.
إن كل شيء يسقط من حواليه ويذبل ويفني. الناس والمبادئ.. والحقائق والمثل.. حتى نظريات العلم يفتتها الشك وتهدمها البحوث وتنسخها بنظريات أخرى تعلو عليها.
إنه في معبد تتساقط أعمدته.. وتتساقط أصنامه.. وتتساقط كلماته، وهو نفسه يتساقط في النهاية من المرض
الأحلام  لـ  مصطفى محمود

والإعياء والشيخوخة ويفني.. ولهذا يعيش في رعب.. الأرض تهتز من تحته وهو يتلمس حقيقة يمسك بها.. شيئا ثابتا يلوذ به وينجو من الهلاك.
إن مشكلته ليست الإمساك برمقه، وإنما الإمساك بعقله الذي يذهب شعاعا كلما تلفت حواليه.
إنه يدرك من الوهلة الأولى منذ مجيئه إلى الدنيا، إنه کالمدعو إلى وليمة باذخة.. ولكن الأكل كله مسموم.. وكل المدعوين الذين يأكلونه يموتون.. بلا استثناء
ما السر في الوليمة إذن.. ولماذا يأكل
إن شهوة الأكل تدفعه إلى الأكل.. وهو لابد أن يأكل اليمسك برمقه.. ولكنه يريد أن يمسك بعقله أيضا.. يريد أن يعرف.. من أين.. وإلى أين ولماذا.. وما هذا.. يريد يقينا.. ولا يجد يقينا.. ويتوسل إلى سبيل.
نجد أستاذا في الجامعة يؤمن بشيخ يحضر الأرواح.. وطبيا يؤمن بالفنجان.. وامرأة مثقفة تؤمن بفاتحة بخت.
والسبب أن الثقافة نفسها لاتنجد، وشهوة اليقين أكبر من الثقافة. وأكثر إلحاحا من أن تنتظر لتجد أجوبة أكيدة. .. وفي الصعيد قابلت رجلا عجيبا.. أفنديا تخرج من






التجارة.. صرافا لفت نظري لبسه المهلهل.. ونظراته الساهية الشاردة
ناقشني في الأديان.. وفي الله ووجوده .. وفي يوم القيامة.. وقال لي: إن يوم القيامة سوف يكون في سنة ۱۹۹۸ العرافة قالت له هذا ونصحته بأن يخزن في بيته تموين مائة سنة لأن القيامة سوف تقضى بالفناء على البشرية كلها ما عدا هو. وأنه سيكون مثل نوح الذي ينجو من الطوفان.. وأن بيته سوف يكون كسفينة نوح التي تهب الحياة لكل من يلوذ بها.. وعليه أن يلا بيته من الآن بكل أصناف الحياة .. وبكل أصناف التموين والمأكولات.
وذهبت إلى بيته لأجد حجرات بأكملها مليئة إلى السقف بأطنان من الأرز والعدس والفول والسكر والبن والشاي والصابون والكمون والكزبرة والكبريت.. وأشياء غريبة مثل اللبان والزئبق والصمغ. وأزواج من الأرانب والفئران والكلاب والدجاج والبط والأوز
لقد باع الرجل الفدادين الثلاثة التي يملكها واشترى مئونة سفينة نوح لمائة سنة :
وحكى لي أنه لم يدخل الحمام منذ شهر.. عملا بنصيحة العرافة بألا يقرب الماء أربعين يوما بالتمام، حتى يتجلى له

الأحلام  لـ  مصطفى محمود 



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget