لو كان آدم سعيداً لــ محمد على اليوسفي

لو كان آدم سعيداً  لــ  محمد على اليوسفي


من النادر جدا أن تصدر الأعمال الكاملة لأحد الكتاب الكبار، بعد موته من دون دراسة، أو مقدمة مستفيضة تتناول أعماله |
وهذا ما حدث في الطبعة الكاملة لأعمال إميل ميشال سیوران التي صدرت في نهاية سنة 1995 عن منشورات غاليمار الفرنسية (سلسلة كوارتو) في 1820 صفحة
ولقد اضطر الناشر إلى الاعتذار، المبرر، عندما صدر المجلد مشيرة إلى احترام میدا دافع عنه سيوران: عدم نشر أي كلام آخر غير ما كتبه المؤلف.
لماذا ؟
الأسباب عديدة:
فها هو ذا سيوران يقول في شذرة من كتابه القياسات المرارة : (كل تعليق على كتاب هو سيء أو غير مجد، فكل ما لا يأتي مباشرة لا قيمة له. هذه الشذرة يصدر بها الناشر الطبعة الكاملة أيضا ، ويمكن أن نجد هذه الفكرة بأشكال وصياغات مختلفة في كتب سيوران، يقول في كتابه والاعترافات واللعنات، مثلا: (لا يبقي الكتابة عن أحد، أبدأ . لقد افتعت بجدوى هذه الفكرة إلى درجة انني كلما ملت إلى فعل ذلك، كانت فكرتي الأولى أن أهاجم الشخص الذي سأكتب عنه، حتى وإن كنت معجبة به.)

وللخروج من هذا المأزق؛ أي عدم التعريف بالكاتب وتقديم أفكاره، التجا الناشر إلى اسلوب آخر، أن يجعل المؤلف يتحدث عن نفسه من خلال ملحق يضم مقتطفات من الحوارات التي أجريت معه على مر سني حياته.
وهذا ما ستقوم به، بدورنا سنتحدث عنه بلسانه. وسيكون استفادنا أساسا إلى تلك المقابلات، وعلى بعض آرائه في مشرانه، أو كتاباته المقطعية وبالخصوص على الكتاب المتميز الذي أصدرته سيلفي جودو سنة (1990 عن منشورات «جوزيه كورنيه بعنوان (محاورات مع سيوران)، يلي ذلك نبذة عن حياته، وتعريف تحليلي بأبرز أعماله، ثم مقتطفات مترجمة منها ، ونلفت الانتهاء إلى أن المجلة الأدبية الفرنسية (ماغازين ليترير)، فقد نشرت في عددها لشهر أيلول/سبتمبر 1997 كراسا يضم شذرات لم تنشر من قبل السيوران، وقد ترجمنا بعضها استكمالا وتنويعة لهذه المختارات.
عاش سيوران في مرحلة تتحدث عن الحداثة وما بعد الحداثة، لكنه اختار الابتعاد عن زمانه، وعن الزمن، سعي إلى تحطيم المعني من أجل خوض تجربة اللامعني، أعلن أنه ضد الفلاسفة وضد المنظومات الفلسفية والمقولات. كما أنه ضد المفكرين الذين ينطلقون من الاقتباس والاستشهاد . وفضل شكل الكتابة المقطعية، والاعتراف، والحكمة المختزلة، على الخطاب المتماسلي زورة وزيفا كما يقول. يمكننا تحمل الشر وليس منهمنه. ولا معرفة لديه إلا عبر الحواس (كل تجربة عميقة تصاغ بعبارات فيزيولوجية)|
أمام الفلسفة والفكر، يختار سيوران الشعر والموسيقى، وهو مثل الشاعره يخاتل شكوكه ليتعاطى الكلمة ويحول الواقع إلى واقع صيني. الشاعرة (هذا الوحش الذي يراود خلاصه عبر الكلمة والذي يملا خواء الكون برمز الخواء تحديد أ) أي الكلمة. والموسيقية (ليست من جوهر إنساني لأنها لا تبعث أبدأ على تصور الجحيم.)






في إجابة له عن سؤال كيف تتحمل الحياة 5 أشار سيوران إلي الأستطيقا، إلى ضرورة الكذب من أجل الوجود . ثمة دور تعزية للفن: أكتب الأتقادي نوية (...) في التعبير راحة (۰) الكتابة انتحار مؤجل
أراد الفرية في أعماقه حتى لا ينتمي إلى أي أرض ويحافظ على وعيه بالطابع الانتقالي المؤقت لحياة أي إنسان، فالإنسان الذي يحترم نفسه ليس له وطن. وعليه الانخراط في منابع النشأة؛ ما قبل الانفصال والتمزق. ذلك أن التاريخ فوط أول في الزمن وطرد من الأبدية، وما بعد التاريخ هو سقوط ثان، أي أنه سقوط من الزمن.
أمام هذه العدمية، ليم الكتابة إذن؟
الكتابة نسيان الشيء الصالح تسميته أو معرفته، إنها كتابة تعبر عن انتظار الكائن. وهي، لذلك، لا تأتي عبر منظومة فكرية، بل ضمن القطاعية الكتابة المقطعية استجابة لتشظي الكائن
عدمية سيوران تستبعد اي هروب خارج عدمنا الزمني، فكيف نتمكن من معانقة الأبدية في حضن الزمن؟ إنه غنوصي ذو صفاء ووضوح فكري ينكر الخلاص، متصوف دنيوي منخلص من الأشكال الماورائية. فإذا النشوة عنده حضور کلي من دون موضوع وجد: خواء ممتلئ، وهذا اللاشيء، عنده، هو كل شيء ، فلا مجال لاستعادة الحالة الفردوسية الأولى. والبائس من خلاصه بصیر عالم جمال، إن الإنسان الأخير هو إنسان خاو: إنه حكيم الأزمنة الحديثة.

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget