العنكبوت لـ مصطفى محمود

العنكبوت  لـ  مصطفى محمود


أنا الدكتور م. داود دكتوراه في جراحة المخ والأعصاب من جامعة برلين .. أخطو الآن نحو الستين من عمرى وإن كانت المرأة التي تطل على من رکن الدولاب تقول غير هذا
تجاعيد ... وعظام بارزة .. وأنامل معروقة .. وبشرة مغضنه .. وخذ هضيم .. وشعر أشيب .. وأجفان وارمة .. وعينان حمراوان نطل منها نظرة مرناعة . تلك النظرة المرتاعة دائمة .. كأني كهل في الطائين خطو خطوته الأخيرة نحو النهاية .
لا بل هو ذلك السر
ذلك السر الرهيب الذي ظللت أحمله بين جنی طيلة هذه السنوات وأحمل معه تلك المسئولية الجسيمة ..
وإلى متى ..؟! لقد جاء الوقت .
العنكبوت  لـ  مصطفى محمود

نعم .. جاء الوقت لأكل وأسطر في هذه الأوراق خفايا هذه السنوات الرقية التي عشتها .. وأكشف ذلك السر
وليعذرني من تقع في يده هذه المذكرات اذا وقع على اصطلاح م يفهمه .. وليغفر لى السرعة التي أكتب بها تلك الأوراق قا بل في العمر
وهأنذا أكتب الآن وأنا ألهث وأشعر بدبيب الموت يدب مع كل نبضة .. لكأنما الفناء سوف يلحقني قبل أن أفرغ من كشف هذا السر الرهيب .. ولو حدث ذلك .. باإلهي .. من بدرى؟.. ربما عاشت الإنسانية أجيالا أخرى من الظلات قبل أن تتجلى تلك الحقيقة اللينة فلا يكشفها أحد.. وتظل الحياة سوا مستغلقة ملغزة إلى الأبد
ودعوني أبدأ .. فالقصة طويلة . ولأبدأ من البداية .. من عصر ذلك اليوم العيد من ست سنوات .
في شتاء عام 1958 في يوم أحد غائم رطب في غرفة الكشف بالعيادة وقد شربت قهون كالمعتاد حينا طرق الباب أول زائر ، شاب نحيل صفراوی النظرات ، ذو وجه شاحب
كنت أقول له من اللمحة الأولى الشكوى التي يشكو بيها .. وأصف له الدواء دون حاجة إلى فحص .
كان وجهه صفحة مكشوفة معروفة تنبئ عن مصران غليظ ومرارة وسوء هضم ذلك الثلاثي المألوف في بلادنا .






ولكنه لم يشك بأي شكوى من هذه الشكاوى وإنما قدم لي روشتة عليها تحويل من طبيب معروف ، وعلى الروشتة فرأت خمس كلمات : |
اشتباه ورم في المخ .. للفحص ،، والعلاج ورم في المخ ؟ ما الذي جعل الطبيب يفكر في احتيال ورم بالمخ ؟
وسألته عن شكواه فقال إنه يعاني من صداع مزمن وزغللة في العين أعراض عادية يمكن أن توجد في ألف مرض ومرض .
سوء الهضم يمكن أن يؤدي إلى صداع ,, الإمساك المتكرر .. فقر الدم ،، الجيوب الأنفية بين الأضراس التالفة .. ضغط الدم .. عدم استخدام النظارة في القراءة .. إدمان الخمر .. القلق النفسي .. كل هذه أسباب يمكن أن تؤدي إلى صداع وزغللة . ما الذي جعل الطبيب بفكر في ورم
هذا تشخیص خطير لا يصح فيه الأخذ بالشبهات . ولم يكن أمامي وقت لأتساءل وأتأمل.
ومضيت في الفحوص المألوفة .. کشف دقيق لقاع العين .. صورة أشعة للدماغ .. قياس ضغط للسائل الشوكي .. وإجراء رسم كهربائي للمخ .
ومن خلال منظار قاع العين مضيت أتأمل العصب البصري .. الشبكية ، وكانت النظرة الأولى مؤكدة لظني .. لم تكن هناك أي علامة من علامات ورم المخ وارتفاع ضغط السائل السحائي .. كان كل شيء يبدو طبيعيا
وتشجع المريض وهو يرى الابتسامة على وجهي وسألني :

العنكبوت  لـ  مصطفى محمود 



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget