القرآن والسلطان لـ فهمى هويدى

القرآن والسلطان  لـ  فهمى هويدى


هذا الكتاب ينبغي ألا يصنف تحت أي من العناوين المبتدعة في زماننا هذا ، سواء كانت الإسلام الجديد أم الإسلام المستنير أم الإسلام التقدمي ، أم ما شابه تلك الصياغات التي لقيت رواجا ، وازدحمت بها السياحة الفكرية خلال السنوات الأخيرة .
إنما غاية ما أتمناه أن يظل كل حوار أو رأي - وإن أخطأ - محكومة دائمة بلافتة واحدة ، ومدرجة دائمة تحت كلمة واحدة ، هي
الإسلام ، وكفي !
ذلك أنه منذ أطلت علينا ظاهرة ما يسمى بالصحوة الإسلامية ، وبالأخص منذ حققت الثورة الإسلامية في إيران انتصارها الباهر على الشاه السابق بجبروته وأجهزته العاتية والقوى العظمى التي كانت تسانده , منذ ذلك الحين ، ظهرت على السطح شريحة جديدة من المفكرين والكتاب العرب و المعجبين بالإسلام ، الذين استهوتهم بعض جوانب فيه ، ولجأوا إلى تنظير موقفهم وصياغته , قاقتطع كل منهم الجزء الذي أعجبه ، وأقام عليه منبرأ ولافتة إسلامية ، ومضي بحدثنا من تحتها عن ذلك الاكتشاف المدهش
وعن هؤلاء فرأنا - ولا زلنا - الكثير عن « الإسلام السياسي و الاجتماعي وه الإسلام الثوري ، لا شيء عن الإسلام الدين والرسالة ، لا شيء عن الإسلام العقيدة والشريعة ، ولكنهم اختاروا فقط « لقطات : فريدة وجذابة من المشهد كله .
بعين السائح و منطقه مروا على الإسلام أو تعاطفوا معه . ذلك أن السائح عندما يتعلق بشيء ما في بلد ما ، فإن وقفته أمامه قد تطول ، و إعجابه به قد يملأ عليه قلبه وعقله ، ومعرفته به قد تتعدد وتزداد عمقا ، لكن انتماءه الحقيقي يظل لشيء آخر ، وفي بلد آخر !
وهكذا فعل بعض مفكرينا من : الإسلاميين بالسياحة ، تعاطوا الإسلام
القرآن والسلطان  لـ  فهمى هويدى

كمعجبين ، فأسمعونا إطراء و كلام حلوة وحماسية أحيانا ، لكن انتماءاتهم ظلت إلى شيء آخر ، وربما إلى عالم آخر !
ولا اعتراض لنا على ذلك ، إلا من باب واحد ، عندما يحاول هؤلاء أن يشكلوا من بيننا و وفود سياحية تطوف بأجنحة الإسلام ، لكي نشاركهم الاعجاب بتلك اللقطات والأركان الفريدة والجذابة التي اكتشفوها فيه.
ذلك أن المطلوب ليس أن نحول المنتمين إلى معجبين ، فتلك خطوة إلى الوراء بكل تأكيد. إنما المطلوب أن تخطو إلى الأمام، فتحول المعجبين إلى منتمين
وإذا كان يرضي كثيرين أن يتراید - مثلا - عدد الذين تستهويهم حيوية الإسلام السياسي أو فاعلية الإسلام الثوري ، إلا أنه يسعدهم أكثر أن تشع العلاقة وتتطور من الاعجاب إلى الاعتقاد ، أو من الحب إلى الزواج إذا جاز التعبير !
ثمة فريق آخر من الكتاب والمفكرين انتهج خطة مختلفة . فهم في مناخ : الصحوة صعدوا إلى المسرح . لا لكي يستظلوا بمظلة الإسلام ، وإنما لكي بسحبوا تلك المظلة إلى مسرح مختلف ، في موقع مختلف .
هم هنا لم يلتحقوا بالعربية ليطوفوا مع السائحين وبشار گونهم الأعجاب بالإسلام ، ولكنهم حاولوا أن يقفزوا إلى مقعد القيادة ليذهبوا بالعربة كلها إلى مكان آخر، في اتجاه آخر ا
لقد عهدنا منذ زمن طويل أن يسعى الحكام والكهنة إلى توظيف الدین لصالحهم وفي خدمة سلطانهم وأطماعهم ، وهو سعي لم يتوقف حتى يومنا هذا . لكننا نشهد في الآونة الأخيرة إضافة جديدة إلى فرق المستثمرين للدين ، تضم بعض المثقفين الذين شرعوا في انتقاء ما تصوروه لا مفيدة ، و إيجابية في الإسلام ، تمهيد لاجتراء تلك المساحات وإقامة أبنية أخرى فوقها ، مطعمة بالإسلام استجابة للمناخ العام ، لكنها ليست من الإسلام في شيء !
وأكاد أقول إننا أمام «ظاهرة جديدة ، فبعد أن كان اليمين ممثلا في أولئك الحكام والكهنة هو الذي يسعى جاهدة لاستخدام الدين وتوظيفه ، فإن بعضا من أهل اليسار يحاول الآن استخدام السلاح ذاته ، مع تقليمه وتطويعه باسم التجديد والمعاصرة والتقدم ، وتحت لافتات لا تخلو من بريق مثل الإسلام الجديد والتقدمي
والمستنير






وهنا أحب أن أسارع بإيضاح أمرين :.
الأول : انتي في هذا السياق لا أسجل موقفا ضد تلك التيارات ، وان اختلفت معها ، كما أني لا أحاول أن أستعدي عليهم أحدة ، بل أذهب إلى الظن بأن المؤمنين بالله وكتبه من أهل اليسار هم أقرب إلى الفهم الصحيح للإسلام من كثيرين غيرهم ، من حيث وعيهم المقترض بقضية العدل الاجتماعي ، ولكني فقط أسجل موقفا ضد محاولة الانتقاء من الإسلام وتفصيل بعض أجزائه على قياسات بذاتها . ضد تفتيت الإسلام وتقطيع أوصاله ، وإن تم ذلك بحسن نية ولأهداف يجدها أصحابها شريفة ونبيلة .
الثاني : أنه من التبسيط الشديد للأمور ، وربما من السذاجة الشديدة ، أن يتصور أحد أنني ضد التجديد والمعاصرة والتقدم ، لأن العكس هو الصحيح تماما . فوقني ، الذي أرجو ألا يكون بحاجة إلى إعلان ، هو على طول الخط مع المخلصين الواقفين تحت تلك الشعارات المضيئة ، شريطة أن نظل ثابتين على أرضية الإسلام وتحت رايته ومظلته .
ليس هناك إسلام تقدمي وآخر رجعي ، وليس هناك إسلام ثوري وآخر استسلامي ، وليس هناك اسلام سياسي وآخر اجتماعي ، أو إسلام السلاطين وآخر للجماهير .. هناك إسلام واحد ، كتاب وأحد أنزله الله على رسوله ، وبلغه رسوله إلى الناس .
و بعد البلاغا صارت الأمانة و في أعناق الناس ومن مسؤولياتهم.
فإذا تعددت الاجتهادات يمينا ويسارا ، وإذا تراوحت الممارسات صعودا وهبوطا أو سقوطأ ، و إذا أحسن البعض فهم الإسلام أو أمياء ، فذلك شأن المسلمين أولا وأخيرا ، وينبغي ألا يحمل بأي حال على الإسلام
وإذا كان التحفظ ضرورية على ما يقوله البعض من خارج الدائرة الإسلامية ، فإن التحفظ يصيح أوجب إزاء ما يردده البعض من داخل البيت الإسلامي !
ذلك أنه إذا كنا قد عرفنا فريقا يرى الإسلام بعين السائح ، وفريقا آخر يحاول أن يجر مركبة المعجبين بالإسلام وغيرهم في اتجاهات أخرى بعيدة عن الإسلام ، فإن هذا الفريق الثالث يرتكب ما هو أفدح ، اته بانتهازيته حينا ، وضيق صدره حينا ، وضيق أفقه أحيانا ، يكاد يقود المركبة كلها إلى الغرق !


القرآن والسلطان  لـ  فهمى هويدى



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget