العلم والأسطورة والألعبان لــ ألان كومبس

العلم والأسطورة والألعبان  لــ  ألان كومبس


ما الذي يجمع نظرية يل، وأنماط يونغ البدنية، وقطة شرودنغر، وهفوات فرويد؟ ما الذي يجري خلف تلك الضروب المتنوعة من ظواهر الإدراك الحسي الفائق، كما يجري خلف تلك الظواهر اليومية الطفيفة التي لا يبدو على السطح أن ثمة رابطة بينها فتقلت من انتباهنا في أغلب الأحيان؟ من هو الألعبان؟
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة نرود فيها آفاق عالم التزامن الأسر، أوجهه المتعددة ، ألوانه التي لا نهاية لها ، ألغازه وأحاجيه التي هي ألغاز الحياة والكون وأحاجيهما. وكلما تعمقت الرحلة بهتت تلك الثنائيات التي تحتل معظم مساحة عقلنا في عيشنا اليومي ، وبدا أن اللغة الخطية المتعاقبة، كلمة وراء كلمة، تخدعنا إذ تعجز عن الإتيان بكلمة واحدة ثطاون الليل والنهار ، والنور والظلمة، والداخل والخارج، والعقل والمادة ، والحياة والموت... وبدا أن العلم الحديث والأسطورة القديمة وجهان لباب واحد يطل على الواقع ، باب الكلية الأرفع .
وبصرف النظر عن أية مخالفة لرؤية هذا الكتاب أو منطقه ، فإنه لمما يلفت الانتباه في مثل هذه الكتب قدرتها على بناء المنظومة المتماسكة منطقية ، سواء وافقت منظومة المرء أم
خالفتها ، فقد يتساهل هذا الأخير إن كان فهم الكلية الذي يصدر عنه هذا الكتاب هو فهمها الأوحد الممكن ، وقد يتساءل حول المنطق الجوهرائي والسرمدي الذي يحكم ذلك الفهم. غير أن ذلك لا ينقص من رهافة أخلاق هذا الكتاب، ولا من جماله، أو ذكائه، أو أممية المعارف المتنوعة التي يتحف القارئ بها . وربما لا تكون القراءة سوية إن لم يجلب القارئ إلى كل ذلك شيئا من رهافة أخلاقه هو ، وجماله، وذكائه، ومعرفه المهمة، وقبل هذا وذاك روحه النقادة

في خريف ۱۸۹۹ ، كان ونستون تشرشل مراسلا خاصا لجريدة ال Moming Post ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره، وكانت مهمته إرسال التقارير عن حرب البوير في جنوب أفريقيا ، وفي 14 تشرين الثاني من ذلك العام، هاجم البوير القطار المصفح الذي يتنقل فيه. وخرجت العربات عن سكتها ، واستمر القتال العنيف أكثر من ساعتين. وتعرض تشرشل لرمايات الأعداء القرية أكثر من مرة دون أن يصاب بأي أذى يدگر. غير أنه وقع في الأسر مع عدد من الجنود البريطانيين على الرغم من الدور القيادي الذي لعبه في تنظيم انسحاب ناجح
اقلید تشرشل إلى سجن في مدينة بريتوريا. وسرعان ما شرع مع عدد من السجناء الأخرين في تنفيذ خطة للفرار . لكن الأخرين تراجعوا في اللحظات الأخيرة وتركوا تشرشل يواصل وحيدة، وبعد أن تدلى على جدار السور في منتصف الليل، سار قدما عبر الحديقة والبوابة الخارجية ، وقرب الحراس، خارجة من المنطقة كلها ، ومن بين ألفين من السجناء في بریتوريا ، كان تشرشل هو الوحيد الذي استطاع أن يلوذ بالفرار . غير أن وضعه راح يدنو من حافة اليأس بعد أيام من هروبه، حيث الإنهاك ، والجوع، وغياب أية فكرة واضحة عن الموقع الذي هو فيه، ذلك أن بريتوريا كانت تقع على بعد ثلاثمئة ميل من الحدود البريطانية، وفي ليلة قرر تشرشل أن يدنو من أضواء کانت تلمع من بعيد لكي يجرب حظه. وكانت تلك أضواء بلدة قائمة قرب منجم، وحين قرع واحدا من الأبواب لم يلبث أن وجد نفسه أمام جون هوارد ، المتعاطف الإنجليزي الوحيد على مسافة عشرين میلا. وتمكن موارد من تهريب تشرشل خارج منطقة الأعداء ليصل إلى بلاده كما يصل الأبطال
بعد نحو أربعين سنة على ذلك، قدر التشرشل أن يصبح خصما لدودا لهتلر، وكان هذا الأخير أيضا قد جرب الحرب مثله. فقد خدم هتلر في مشاة ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى .






وكان يعمل ساعيا يحمل الرسائل على طول خطوط القتال. وغالبا ما كان يؤدي هذه المهمة الخطيرة أثناء المعارك العنيفة ويفلح في إتمامها . وذات مرة لم يكد يخطو خارج مركز قيادته حتى قصيف هذا المركز بقذائف المدفعية الإنجليزية التي أودت بحياة ثلاثة أشخاص وجرحت القائد جرحا بليغة ، ومرة بعد مرة كان هتلر يقف على شفا حفرة من الموت لينجو بعد ذلك دون أن يلحق به أي أذى، وهي مقدرة سوف تلازمه طوال حياته. وقد كتب لاحقا إلى واحد من المراسلين الصحفيين عن أحد الحوادث التي جرت له خلال تجربته القتالية : " أربع مرات تقدمنا ثم اضطررنا للتراجع ، ومن بين أفراد دفعتي جميعا لم يبق سوى واحد وأنا ، وأخيرا سقط هو أيضا . أما أنا فقد مزقت طلقة كم سترتي الأمين ، لكني نجوت معجزة وبقيت حية وسالم ۲۷)
لقد بدا كأن القدر يظلل بدرعه کلا من تشرشل وهتلر ويحميهما كيما يلعبا لاحقا دوريهما في التاريخ . أما أداة القدر في إنفاذ مشيئته فكانت عمل المصادفة والتوافق (ه) . إذ يبدو كما لو أن ضربا من التوافق السعيد هو الذي ساق تشرشل إلى يدي متعاطف إنجليزي ، كما بدا أن الرصاص وقذائف المدفعية تتساقط في كل مكان دون أن تصيب هتلر ، ولعل حياتيهما لا تختلفان في الجواهر عن حيواتنا. فنحن أيضا تختبر تدخلات التوافق العارضة الدرامية، التي تولد إحساسا ملموس ومباشرة بأن ثمة شيئا يتخطى المصادفة العمياء يفعل فعله من وراء الكواليس
غير أننا غالبا ما تشعر بهذه القوة التي تعمل وراء الكواليس من خلال أصغر التوافقات لا من خلال المصادفات الدرامية التي تعاودنا من حين إلى آخر، فهذه القوة تفرض ذاتها في أشد الحوادث عشوائية قسيمها ميسم ذكاء غريب لا يمكن لنا إلا أن نصفه بأنه

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget