انفتح الباب فتراءت الحجرة مترامية لا نهائية . تراءت دنيا من المعانی والمثيرات لا مكانا محدودا متطويا في شتى التفاصيل. آمن بأنها تلتهم القادمين وتذيبهم. لذلك اشتعل وجدانه و غرق في انبهار سحری . نقد أول مافقده ترکیزه. نسي مانائت النفس لرؤيته، الأرض والجدران والسقف. حتى الإله القابع وراء المكتب الفخم. وتلقى صدمة كهربائية موحية خلاقة غرست في صميم قلبه حبا
جنونيا ببهجة الحياة في ذروتها الجليلة المتسلطة. عند ذاك دعاه نداء القوة للسجود، وحرضه على الفداء ، ولكنه سلك مع الآخرين سلوك التقوى والابتهال والطاعة والأمان. كالوليد عليه أن يذرف الدمع الغزير قبل أن يملى إرادته . وتلبية لإغراء لا يقاوم خطف نظرة من الإله القابع وراء المكتب ثم خفض البصر متحليا بكل ما يملك من خشوع
وكان حمزة السويفي مدير الإدارة يتقدم الموكب الصغير فقال مخاطبا المدير العام : . هؤلاء هم الموظفون الجدد یا صاحب السعادة . .
مر ضوء عينيه على الوجوه، وعلى وجهه ضمنا، فجال بخاطره أنه دخل تاريخ الحكومة، وأنه يحظى بالمثول في الحضرة, وخيل إليه أنه يسمع همهمة من نوع عجيب، لعله يسمعها وحده ، ولعله صوت القدر نفسه، ولا استوفت الفراسة امتحانها الوئید تکلم صاحب
السعادة, تكلم بصوت بطيء وهادي ومنخفض فلم يكشف عن شيء يذكر من جوهره, قال متسائلا:
. جميعهم من حملة البكالوريا؟ فأجاب حمزة السويقي: . بينهم اثنان من حملة التجارة المتوسطة . فقال صاحب السعادة بنبرة مشجعة: - العالم بنقدم، كل شيء يتغير. ها هي ذي البكالوريا تحل محل
الابتدائية
اطمأنت القلوب ودارت فرحتها بمزيد من الخشوع، فقال الرجل:
. حققوا المأمول منکم بالاجتهاد والاستقامة . وراح پراجع بيانا بالأسماء حتى سأل عن غير توقع: . من منكم عثمان بیومی؟
دق قلبه دفة قوية جدا، وقع نطق الرجل لاسمه من نفسه موقعا مؤثرا عنيفا، تقدم خطوة مطرقا وهمس:
. أنا يا صاحب السعادة - ترتيبك ممتاز في البكالوريا فلم لم تكمل تعليمك؟ |
صمت، اضطرب، لم يدر في الواقع ماذا يقول بالرغم من حضور الجواب في وعيه طيلة الوقت. وعنه أجاب مدير الإدارة كالمعتذر؛
.لعلها ظروف یا صاحب السعادة
سمع الهمهمة مرة أخرى، سمع صوت القدر، ولأول مرة شعر بان ثمة زرقة تخضب الجو، وأن رائحة طيبة غريبة تجول في المكان ، ولم يحزنه أن يشار إلى ظروفها المعوقة بعد أن تقدس شخصه بعطف
صاحب السعادة وتقديره. وقال لنفسه إنه يستطيع أن يحارب جيشا بمفرده فينتصر عليه. والحق أنه ارتفع وارتفع حتی غاص رأسه في السحاب، وثمل لدرجة العربدة الوحشية. أما صاحب السعادة فنقر على حافة المكتب وقال مؤذنا بالختام :
. شكرا، ومع السلامة .. وهو يغادر المكان قرأ في سره آية الكرسي.
. إني أشتعل یا ربی . النار ترعى روحه من جذورها حتى هامتها المحلقة في الأحلام .
وقد تراءت له الدنيا من خلال نظرة ملهمة واحدة ، كمجموعة من تور باهر، فاحتواها بقلبه وشد عليه بجنون. كان دائما يحلم ويرغب ويريد ولكنه في هذه المرة اشتعل، وعلى ضوء النار المقدسة لمح معنی الحياة . أما على الأرض فقد تقرر إلحاقه بالمحفوظات، لم يهمه کیف يبدأ فالحياة بدأت من خلية واحدة بل من دون ذلك. وهبط إلى مقره الجديد وجناحاه پرفرفان، يشق طريقه إلى بدروم الوزارة ، طالعنه قتامة، ورائحة أوراق قديمة، ورأى سطح الأرض في الخارج عند مستوى رأسه من خلال نافذة مصفحة. وامتد البهو أمامه . تتلاصق على جانبيه دواليب شغ، وصف طويل منها بشقه شقا طوليا، على حين استقرت مكاتب الموظفين في ثغرات بين الدواليب. ومضى وراء موظف إلى مكتب يستعرض تجويفا كالحراب في الصدر جلس إليه رئيس المجفوظات . لم يكن أفاق من نفئة السحر المقدسة، حتى
جنونيا ببهجة الحياة في ذروتها الجليلة المتسلطة. عند ذاك دعاه نداء القوة للسجود، وحرضه على الفداء ، ولكنه سلك مع الآخرين سلوك التقوى والابتهال والطاعة والأمان. كالوليد عليه أن يذرف الدمع الغزير قبل أن يملى إرادته . وتلبية لإغراء لا يقاوم خطف نظرة من الإله القابع وراء المكتب ثم خفض البصر متحليا بكل ما يملك من خشوع
وكان حمزة السويفي مدير الإدارة يتقدم الموكب الصغير فقال مخاطبا المدير العام : . هؤلاء هم الموظفون الجدد یا صاحب السعادة . .
مر ضوء عينيه على الوجوه، وعلى وجهه ضمنا، فجال بخاطره أنه دخل تاريخ الحكومة، وأنه يحظى بالمثول في الحضرة, وخيل إليه أنه يسمع همهمة من نوع عجيب، لعله يسمعها وحده ، ولعله صوت القدر نفسه، ولا استوفت الفراسة امتحانها الوئید تکلم صاحب
السعادة, تكلم بصوت بطيء وهادي ومنخفض فلم يكشف عن شيء يذكر من جوهره, قال متسائلا:
. جميعهم من حملة البكالوريا؟ فأجاب حمزة السويقي: . بينهم اثنان من حملة التجارة المتوسطة . فقال صاحب السعادة بنبرة مشجعة: - العالم بنقدم، كل شيء يتغير. ها هي ذي البكالوريا تحل محل
الابتدائية
اطمأنت القلوب ودارت فرحتها بمزيد من الخشوع، فقال الرجل:
. حققوا المأمول منکم بالاجتهاد والاستقامة . وراح پراجع بيانا بالأسماء حتى سأل عن غير توقع: . من منكم عثمان بیومی؟
دق قلبه دفة قوية جدا، وقع نطق الرجل لاسمه من نفسه موقعا مؤثرا عنيفا، تقدم خطوة مطرقا وهمس:
. أنا يا صاحب السعادة - ترتيبك ممتاز في البكالوريا فلم لم تكمل تعليمك؟ |
صمت، اضطرب، لم يدر في الواقع ماذا يقول بالرغم من حضور الجواب في وعيه طيلة الوقت. وعنه أجاب مدير الإدارة كالمعتذر؛
.لعلها ظروف یا صاحب السعادة
سمع الهمهمة مرة أخرى، سمع صوت القدر، ولأول مرة شعر بان ثمة زرقة تخضب الجو، وأن رائحة طيبة غريبة تجول في المكان ، ولم يحزنه أن يشار إلى ظروفها المعوقة بعد أن تقدس شخصه بعطف
صاحب السعادة وتقديره. وقال لنفسه إنه يستطيع أن يحارب جيشا بمفرده فينتصر عليه. والحق أنه ارتفع وارتفع حتی غاص رأسه في السحاب، وثمل لدرجة العربدة الوحشية. أما صاحب السعادة فنقر على حافة المكتب وقال مؤذنا بالختام :
. شكرا، ومع السلامة .. وهو يغادر المكان قرأ في سره آية الكرسي.
. إني أشتعل یا ربی . النار ترعى روحه من جذورها حتى هامتها المحلقة في الأحلام .
وقد تراءت له الدنيا من خلال نظرة ملهمة واحدة ، كمجموعة من تور باهر، فاحتواها بقلبه وشد عليه بجنون. كان دائما يحلم ويرغب ويريد ولكنه في هذه المرة اشتعل، وعلى ضوء النار المقدسة لمح معنی الحياة . أما على الأرض فقد تقرر إلحاقه بالمحفوظات، لم يهمه کیف يبدأ فالحياة بدأت من خلية واحدة بل من دون ذلك. وهبط إلى مقره الجديد وجناحاه پرفرفان، يشق طريقه إلى بدروم الوزارة ، طالعنه قتامة، ورائحة أوراق قديمة، ورأى سطح الأرض في الخارج عند مستوى رأسه من خلال نافذة مصفحة. وامتد البهو أمامه . تتلاصق على جانبيه دواليب شغ، وصف طويل منها بشقه شقا طوليا، على حين استقرت مكاتب الموظفين في ثغرات بين الدواليب. ومضى وراء موظف إلى مكتب يستعرض تجويفا كالحراب في الصدر جلس إليه رئيس المجفوظات . لم يكن أفاق من نفئة السحر المقدسة، حتى

إرسال تعليق