تحت المظلة لــ نجيب محفوظ

تحت المظلة  لــ  نجيب محفوظ



انعقد السحاب وتكاثف کليل هابط ثم تساقط الرذاذ . اجتاح الطريق هواء بارد مفعما بشذا الرطوبة . حث المارة خطاهم غير نفر تجمعوا تحت مظلة المحطة، وأوشكت الرتابة أن تجمد المنظر لولا أن اندفع رجل . اندفع راكضا كالمجنون من شارع جانبی و اختفى في شارع آخر على الجانب الآخر. تبعه على الأثر جماعة من الرجال والغلمان وهم يتصايحون الم .. أمسكوا اللص». وما لبثت الضجة أن خفت رویدا حتى ماتت وتتابع الرذاذ. وخلا الطريق أو كاد أما المتجمعون تحت المظلة فبعضهم ينتظر الباص والبعض لاذ
بها خوف البلل. وبعثت ضجة المطاردة مرة أخرى وتدانت في اشتداد وتضخم ثم ظهر المطاردون وهم يقبضون على اللص ومن حولهم الغلمان تهلل باصوات رفيعة حادة . وعند عرض الطريق في المنتصف حاول اللص الإفلات فأمسكوا به وانهالوا عليه صفعا ولكما فمن شدة الضرب قاوم وضرب كيفما اتفق . وشدت أعين الواقفين تحت المظلة إلى المعركة .
.با لها من ضربات قاسية عنيفة! | . ستقع جريمة أشد من السرقة! | . انظروا.. الشرطي واقف في مدخل عمارة يتفرج. . بل أدار وجهه إلى الناحية الأخرى .. واشتد الرذاذ فتواصل أسلاكا فضية برهة ثم انهمر المطر. خلا

الطريق إلا من المتعاركين والواقفين تحت المظلة ، نال الإعياء من الرجال نكفوا عن تبادل الضربات ولكنهم أحاطوا باللص، وتبادلوا کلمات غير مسموعة معه وهم يلهثون. ثم انغمسوا في مناقشة هامة لم يميزها أحد دون مبالاة بالمطر. النصفت الملابس بأجسادهم ولكنهم واصلوا النقاش بإصرار وبلا أدنى اكتراث بالمطر، ووشت حركات اللص بحرارة دفاعه ولكن لم يصدقه أحد. ولوح بذراعيه فكأنما يخطب ولكن ضاع صوته في البعد وانهلال المطر. إنه بلا شك بخطب. وها هم يصغون إليه. تطلعوا إليه خرسا تحت المطر، وظلت أعين الواقفين تحت المظلة مشدودة إليهم.
. كيف أن الشرطي لا يتحرك! . لذلك خطرت فكرة.. أن يكون الحدث منظر تصوير سينمائی! . لكن الضرب كان حقيقيا. . والمناقشة والخطابة تحت المطر ؟! |





شيء طارئ جذب النظر. فمن ناحية الميدان انطلقت سبارتان في سرعة جنونية, مطاردة حامية فيما بدا , المقدمة تطير طيرا والأخرى توشك أن تدركها. وإذا بالمتقدمة تفرمل بغتة حتی زحفت فوق أديم الأرض فصدمتها الأخرى صدمة عنيفة مدوية . انقلبتا معا محدثنتين انفجارا وسرعان ما اشتعلت فيهما النيران. وارتفع صراخ وأنين تحت المطر المنهمر . ولكن لم يهرع أحد من المحدقين به إلى بقايا السيارتين اللتين أدركهما الخراب على بعد أمتار منهم. لم يبالوا بهما كما لا يبالون بالمطر، ولمح الواقفون تحت المظلة آدميا من ضحايا الحادث يزحف ببطء شدید من تحت سيارة ملطخا بالدم، حاول النهوض على أربع ولكنه سقط على وجهه سقطة نهائية.
. كارثة حقيقية بلا أدنى شك.

. الشرطي لا يريد أن يتحرك . لابد من وجود تليفون قريب.
ولكن أحدا لم يبرح مكانه خشية المطر. وقد انهل انهلالا مخيفا وقعقع الرعد، وانتهى اللص من خطابه فوقف ينظر إلى مستمعيه بثقة واطمئنان، وفجأة راح يخلع ملابسه حتى مجرد عاريا، رمی بملابسه فوق حطام السيارتين اللتين أطفأنيرانهما المطر. دار حول نفسه كأنما يستعرض جسمه العاری. تقدم خطوتين وتأخر خطوتين وبدأ يرقص في رشاقة احترافية ، وإذا بمطارديه يصفقون له تصفيقات إيقاعية على حين تشابكت أذرع الغلمان وراحوا يدورون من حولهم في دائرة متماسكة، وذهل الواقفون تحت المظلة ولكنهم رغم ذلك استردوا أنفاسهم.
. إن لم يكن منظرا تصویریا فهو الجنون! | . منظر سینمائی بلا ریب وما الشرطي إلا أحدهم ينتظر دوره . . وحادث السيارتين؟ - براعة فنية وسوف نكتشف المخرج في النهاية وراء إحدى النوافذ،
فتح نافذة في عمارة مواجهة للمحطة محدثة صوتا لافتا للنظر. لفتت الأنظار رغم التصفيق وانهمار المطر. ظهر بها رجل كامل الزی فصفر صفيرا متقطعا. وفي الحال فتحت نافذة أخرى في نفس العمارة فظهرت بها امرأة متأهبة الزينة والملابس فاستجابت لصفيره بإشارة من رأسها، اختفيا معا عن أنظار الواقفين تحت المظلة . وبعد قليل غادرا العمارة معا. سارا متشابكى الذراعين بلا مبالاة تحت المطر. وقفا عند السيارتين المهشمنين. تبادلا كلمة، أخذا بخلعان ملابسهما حتی تعریا تماما تحت المطر. استلقت المرأة على الأرض طارحة رأسها فوق جثة القتيل المنكفئ على وجهه. ركع الرجل إلى جانبها. بدأ غزل رفيق

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget