اذهب حيث يقود قلبك لــ سوزانا تامارو

اذهب حيث يقود قلبك  لــ  سوزانا تامارو


اثناء تجولها وحيدة في منزلها، ومع هبوب الرياح الباردة في الخارج تعلن عن بداية الخريف، الذي بدأ تدريجيا يطفئ الوان الحديقة الزاهية، تقرر سيدة مسنة، نظرا لإصابتها بمرض خطير، أن تكتب خطابا طويلا إلى حفيدتها التي تعيش في أمريكا للدراسة، تكتبه كيوميات، ولكنه يحتوي في مضمونه ليس فقط على سيرتها الذاتية، بل على خلاصة خبرتها ورؤيتها للحياة.
إنها محاولة لقول ما لم يقل، محاولة لتفسير الغموض والتوتر في العلاقة، خطاب حب تحاول من خلاله إعادة أواصر علاقة انهارت وتسبب في تدهورها صراع الأجيال وصعوبة التفهم والتقارب بين عقلية في الثمانين واخرى بدات لتوها سن المراهقة.
وهكذا بالتمرد على قانون الطبقة البرجوازية الثابت، الذي يفرض كثيرا من الحواجز في العلاقات، ويفرض على الأشخاص إخفاء كثير من الحقائق وعدم مواجهة المشاعر، تأخذ الجدة الورقة والقلم لتقوم باول عمل شجاع في حياتها، بان تحب وتفتح قلبها.
إذا كنت قد فهمت حينئذ أن أولى صفات الحب هي القوة،، تعترف في لحظة ما الكانت الأحداث قد صارت بشكل مختلف
تحكي الجدة عن طفولتها والتربية القاسية التي عانت فيها من قمع المشاعر، سواء في منزلها أو في مدرسة الراهبات

التي التحقت بها، تحكي عن طفولة اتسمت بالتحفظات والاهتمام بالمظاهر، والتي قادتها فيما بعد إلى الزواج من رجل ممل وعادي، وكيف أدى ذلك فيما بعد إلى «علاقة صراع بين ابنتها الوحيدة، ثم الموت المأساوي لتلك الابنة الموت الذي تشعربانها مسؤولة عنه، وهي لا تخفي أي شيء، حتى إن بدت في ذلك كله قاسية وعديمة الرحمة، مع نفسها قبل كل شيء.
لكن ليس غرضها من هذا كله هو أن تفضح نفسها، ولا حتى أن تريح ضميرها؛ ولكنها بالتحدث عن صدق المشاعر وبإضفائها الأسماء الحقيقية للأشياء، من دون تزييف، أو تغطيتها باخلاقیات مفتعلة، تريد الجدة، التي عاشت احداث قرن من التاريخ، وشهدت تغييرات جذرية في العادات وانقلابا في القيم، تريد فقط أن تذكر حفيدتها - بكل الحب - أنه لا يوجد عدو أسوأ من أنفسنا، وما نخفيه في قلوبنا، وأن الرحلة الوحيدة التي تستحق أن تقوم بها هي تلك التي تهدف للوصول إلى عمق ذواتنا، إلى البحث عن الصوت الأصلي الموجود داخل كل منا، والذي يحميه ويحفظه بداخله
يتميز هذا الخطاب الطويل بالقدرة على تاريخ المشاعر بعذوبة، فتصف شعورها بالتقدم في العمر بالعبارة التالية: إن فكرة القدر تاتي مع التقدم في السن، عندما يكون المرء شابا لا يفكر في القدر، فكل شيء يحدث يراه ثمرا لإرادته الخاصة.. إن اكتشاف والقدر، يحدث في سن الأربعين، عندئذ






تبدئين في إدراك أن الأشياء لا تتوقف عليك انت فقط.. وحتى ترى القدر بحقيقته الكاملة يجب أن تمر بضعة أعوام أخرى، وفي سن السبعين، عندما ترين شيئا لم تريه من قبل: إن الطريق الذي اجتزته لم يكن طريقا مستقيما لكنه مملوء بالمفترقات، في كل خطوة كان هناك سهم يشير إلى اتجاه مختلف، ومن هنا يبدأ طريق ومن هناك طريق... ربما ابتلعتك إحدى تلك الطرق المنحرفة من دون أن تدركي، ولم تري الأخرى وتلك التي أهملتها لم تعرفي إلى أين كان يمكن أن تقودك، إذا كان ذلك المكان سيكون أفضل أم أسوا، وعلى الرغم من أنك لا تعرفين هذا، فإنك مع ذلك تندمين. فقد " كان يمكنك عمل شيء ولم تفعليه، لقد عدت إلى الوراء بدلا من التقدم إلى الأمام.
الحوار المفتقد بين الأجيال.. المشاعر التي تراود المرء في مراحل حياته المختلفة وكيف يمكن التعرف إليها .. المحاولة الصادقة للبحث عن ذلك العمق الذي يمكن أن يقود حياة كل منا.. احداث الحياة المختلفة التي تعصف بنا ونحن نحاول أن نتحسس طريقنا.. محاولة كل منا العثور على طريقه في الحياة الاجتماعية والتخبط بين البحث عن التفوق العلمي والتمسك بالقيم الإنسانية، وبين أن يلهث المرء خلف شهواته ومتعته في النظر كيف يؤثر ذلك فيمن حوله.. العلاقات الإنسانية التي أصبحت جافة جدا وخالية من كل طرق التعبير الإنسانية والتي تؤثر فيما بعد في تكوين الشخصية.
تلك هي الأفكار التي تدعونا الكاتبة سوزانا تامارو إلى التأمل

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget