سجن العمر لــ توفيق الحكيم



هذه الصفحات ليست مجرد سرد و تاریخ لحياة ... إنها تعليل وتفسير لحياة... إني أرفع فيها الغطاء عن جهازي الآدمی الأفحص ترکیب ذلك «المحرك» الذي نسميه الطبيعة أو الطبع ... هذا المحرك المتحكم في قدرتی، الموجه لمصيري...
من أي شيء صنع؟... من أي الأجزاء شكل وركب؟...
لنبدأ إذن من البداية : من يوم وجدت على هذه الأرض كما يوجد كل مخلوق حی؛ بالميلاد من أب وأم ..
وما دمنا لا نستطيع أن تختار والدينا... ما دمنا لا نستطيع أن نختار الأجزاء التي منها نصنع، فلنفحص إذن هذه الأجزاء التي منها تكونا، فحصا دقيقا صادقا، ولا نتحرج من الخروج قليلا . كما اعتدناه في بلادنا - من وضع الأهل والآباء داخل قوالب جامدة وأطر ثابتة لصور الكمال والورع والصلاح إلى حد يحول دون أي تحليل إنساني... لا بد إذن من بعض الشجاعة والصراحة لنعرف على الأقل شيئا عن ترکیب طبعنا هذا الطبع الذي يسجننا طول العمر…

لم يرني والدي يوم ولدت... كان منغيا في عمله بعيدا، في بلدة صغيرة من بلاد الريف... كان وقتئذ وكيلا لنيابة مركز السنطة»، فترك والدتي تذهب لتلدني في بلدها الإسكندرية»، حيث تتوفر لها العناية الصحية. وهناك ... في هذا الثغر، وفي حي امحرم بكه بمنزل أختها الكبرى هبطت إلى الدنيا ... وقد بعث زوج الأخت - أي عديل والدي - بخطاب إليه يقول فيه بالنص:
أرسلنا إليكم اليوم تلغراقا تبشبرا بقدوم مجلكم السعيد... وتفصيل الخبر: أنه في الساعة العاشرة مساء الأمس شعرت السيدة حرمتم بألم يشبه الطلق، فأردت إرسال الخادم إلى القابلة ، فامتنعت بقولها: ربما لا يكون الأمر كذلك... ولم نزل = مترقبين حالتها إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل حيث اشند الألم، ولم يعد هناك شك




في اقتراب الوضع
. وعندها أرسلنا = الخادم ... وفي الساعة الثالثة حضرت القابلة وباشرت 2 أعمالها ... إلى أن كانت الرابعة ، أقبل «أخيناء مصحوبا بسلامة =

الوصول وقد رأيته صباح اليوم فوجدته مثل أبيه، ولكن بدون الشوارب» !!!...
انتهى كلام العديل الفاضل ... وقد أشر والدي على هذا | الخطاب بالقلم الرصاص، موضحا بما فطر عليه من دقة ستری دلائلها فيما بعد... كتب يقول:|
كنت هذا اليوم موجودا بالسنطة ، فورد لي تلغراف من الأخ عديلى صورته :
ارزقتم ولذا فأطمئنكم وأهنئكمه.
وقد كنت في ذلك الوقت في أودة الجلسة أتكلم مع القاضي على بك جلال في شئون مختلفة، وكانت الساعة وقتئذ ۱۲ ونصف أفرنجیه.

ونقل والدي هذه التأشيرة إلى دفتر صغير خاص اعتاد أن يدون فيه بعض شئونه - عثرت على هذا الدفتر بین مخلفاته بعد وفاته - أضاف فيه إلى ما تقدم هذه العبارة : اتحرر إلى خطاب آخر من عديلى يطلب تسمية المولود، فلم أوفق إلى اسم له، فحررت إليه جوابا باني فوضت الأمر إلى والدته في التسمية. ثم ذهبت إلى الإسكندرية وزرت زوجي فوجدتها متحسنة الصحة وأخبرتني أن الغلام سمي باسم احسين توفيق الحكيم، فلم يرق هذا الاسم : عندي، وصممت على تغييره بالطريقة القانونية، وفي نفس اليوم توجهت إلى المصوراتی مظهر حاوي»، وطلبت منه أن يصورنی في ست لوحات، لأني أردت الاشتراك في السكة الحديدية بين - محل عملي في الريف والإسكندرية .......



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget