فإنه منذ أن وجدت المجتمعات البشرية على سطح الأرض أخذت بالانقياد لأحد أفرادها الذين اشتهروا بالقوة والشجاعة في منازلة الأعداء ، إذ برز بين جماعته كمحام ومدافع ، أو استطاع بتلك القوة من السيطرة على من حوله ففرض عليهم نوعا من الانصياع لرأيه وتنفيذ أمره . وربما انقادت جماعات لمن عرفوا بسداد الرأي ، والتأثي بالتصرف ، والحكمة في القول ، وهكذا حتى انتظمت الجماعات ، وتشكلت التنظيمات ، واتفق الأفراد لاختيار القائد .
وكما تباينت الجماعات في اسم القائد بين أمير ، وزعيم، وسيد ، وقائد ، وملك، اختلف كذلك في طريق اختيار هذا الرأس ، لقد اتفقت بعض التنظيمات على اختيار سيدها عن طريق المشاورة بين مجموعة من البارزين من رجالها سماهم بعضهم بمشايخ القبائل ، وعرفهم بعضهم بالأعيان والوجوه ، وحدهم بعضهم الآخر برؤساء الدوائر ، ولا شك أن بعضها قد سلك طريق الوراثة كوسيلة للاختيار بغض النظر عن الجنس من ذكر أو أنثى أو الكفاءة والقدرة على تسيير شؤون الرعية ، بل إن بعض المجتمعات قد أبقت هذا المركز رمزا ، وسير الأمر من دونه أخرون يأتمرون اسمأ بأمره ، أو يتلقون التعليمات منه ، على حين رأت تنظیمات ثانية أن يكون الاختيار عن طريق الانتخاب ، وإذا كان بعضهم قد قصر هذا الانتخاب على فئة دون أخرى ، كأن يكون الرجال دون النساء ، أو مجموعة دون ثانية ، كأن يكون العمال لا سواهم ، أو أصحاب الأملاك والأثرياء لا غيرهم ، وحدد بعضهم ذلك بشروط معينة على أساس مستوى التعليم أو الشهادة بينما أطلقتها تجمعات أخرى على جميع أفراد الشعب دون
استثناء ، ومن غير تحديد ، لا فرق بين العالم العامل والجاهل الأبله ، ولا تباين بين الرجل العاقل الذي أينما اتجه جاء بخير بإذن ربه ، وعرف موقعه ، وتبين له الوسيلة التي عليه أن يسلكها ليحصل على هدفه ، وبين الأبكم الأمم الأعمى الذي هو كل على مولاه. وكثر الدفاع عن كل أسلوب من قبل الذين ارتأوه ، واعتادوا السير عليه ، واعتمدت بعض التجمعات بالوصول إلى السلطة عن طريق الصراع والمنافسة بين الرجال والأحزاب السياسية ، وهو ما يسمونه به الديمقراطية » ، وفي الواقع فإن لكل طريقة إيجابياتها وسلبياتها ، ولا تكاد تخلو طريقة من نقاط سوء مادامت من اختراع البشر ووضعهم ، ولكن قد تصل هذه السلبيات إلى مرحلة الهدم ، وكذلك فإننا لانستطيع نكران بعض الإيجابيات .
واعتمد اليهود نتيجة نظرتهم المادية المتأصلة ، وحياتهم التي طبعت تفكيرهم بالطابع المادي الصارخ على النظرة إلى أصحاب المال نظرة خاصة ترفعهم إلى سدة الرئاسة وموضع السيادة دون سواهم ( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أني يكون له الملك علينا ونحن
أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ) سورة البقرة - الآية ۲۶۷ . ومن هنا كان ذوق رؤوس الأموال ، وكبار ملاك المؤسسات هم أصحاب النفوذ والسيطرة والهيمنة عند اليهود ، وپهذه الأموال يعملون بجد في محاولة للسيطرة على العالم ، ويسخرون في سبيل ذلك الجنس ، والأعمال الجاسوسية ، والإرهاب ، وطبع هذا تماما على أسلوب حياتهم وسلوكهم.
أما النصارى فيرون حتى الآن الإبقاء على الصراع العالمي ليتسنى لهم استمرار السيطرة على العالم ، وإيجاد الاختلاف بين الشعوب لإشعال الحرب فيما بينها ، وقد
طبع هذا على كل تصرفاتهم وسياستهم إذ أوجدوا ما أطلقوا عليه اسم « الديمقراطية و التي تقوم على الصراع بين الأحزاب والرجالات في الانتخابات ، وفي المجلس النيابي ، وفي تسلم السلطة ، وفي الوقت نفسه يعملون على إيجاد الخلاف بين الأمم والمجموعات البشرية الأخرى بل يحاولون التفرقة بين أفراد كل مجموعة لتكون لهم الكبرياء في الأرض ، والربح المادي بما كلا الطرفين المتصارعين
إرسال تعليق