ليالى ألف ليلة لــ نجيب محفوظ

ليالى ألف ليلة  لــ  نجيب محفوظ


عقب صلاة الفجر، وسحب الظلام صامدة أمام دفقة الضياء المتوثبة، دعي الوزير دندان إلى مقابلة السلطان شهریار , تلاشت رزانة دندان ، خفق قلب الأبوة بين جوانحه، غمغم وهو يرتدي ملابسه : والآن تقرر المصير .. مصيرك يا شهرزاد!»
مضى في الطريق الصاعد إلى الجبل علی برذون يتبعه نفر من الحراس ويتقدمه حامل مشعل في جو مشعشع بالندى وبرودة مستانسة .. ثلاثة أعوام مضت بين الخوف والرجاء ، بين الموت والأمل.. مضت في رواية الحكايات، وبفضل الحكايات امتد الأجل
بشهرزاد ثلاثة أعوام ... غير أن للحكايات نهاية ككل شيء، وقد انتهت أمس، فأي قدر پر صدك يا بنتي الحبيبة؟!
دخل القصر الرابض فوق الجبل. اقتاده الحاجب إلى شرفة خلفية تطل على الحديقة المترامية .. بدا شهریار في مجلسه على ضوء قندیل واحد، سافر الرأس، غزير الشعر أسوده، تلتمع عيناه في وجهه الطويل، وتفترش أعلى صدره لحية عريضة.. قبل دندان الأرض بين يديه .. داخلته رهبة - رغم طول المعاشرة - لرجل حفل تاريخه بالصرامة والقسوة ودماء الأبرياء، وأشار السلطان بإطفاء القنديل الوحيد فساد الظلام، ولاحت بوضوح نسبي أشباح الأشجار الفواحة .. تمتم شهریار:
. لیکن الظلام کی أرصد انبثاق الضياء..

تفاءل دندان شيئا ما وقال : ۔ متعك الله يا مولاي بأطيب ما في الليل والنهار ..
صمت.. لم يستطع دندان أن يستشف ما وراء وجهه من رضا أو سخط حتى قال بهدوء:
- اقتضت مشيئتنا أن تبقی شهرزاد زوجة لنا..
وثب دندان واقفا ثم انحنى على يد السلطان فلثمها بامتنان ودمع الشكر يتحرك في أعماقه
. فليؤيد الله سلطانك إلى أبد الآبدين .. قال السلطان وكأنما تذكر ضحاياه - العدل له وسائل متباينة، منها السيف ومنها العفو، ولله حكمته ... - سدد الله خطاك إلى حكمته یا مولای... فقال بارتياح - حکایاتها السحر الحلال، تفتحت عن عوالم تدعو للتأمل.. ثمل الوزير بفرحته صامتا ، فقال السلطان : - وأنجبت لى وليدا فسكنت عواصف النفس الهائجة .. - لتهنا يا مولاي بالسعادة في الدارين .. تمتم السلطان باقتضاب: - السعادة





قلق دندان لسبب غامض.. ارتفع صياح الديكة.. قال السلطان وكأنما بخاطب نفسه:
- الوجود أغمض ما في الوجود؟ غير أن نبرته تخففت من الحيرة وهو يقول: . انظر! نظر دندان نحو الأفق فرآه يتورد بالسرور المقدس ..

استادن دندان في مقابلة ابنته شهرزاد .. قادته قهرمانة إلى حجرة الورد ذات السجادة والستائر الموردة .. ذات الدواوين والوسائد المشرية بالحمرة.. هناك استقبلته شهرزاد وأختها دنیازاد .. قال الرجل:
- ينوء ظهري بالسعادة فالحمد لله رب العالمين ..
أجلسنه شهرزاد إلى جانبها على حين انسحبت دنیازاد إلى مقصورتها .. قالت شهرزاد
- نجوت من المصير الدامی برحمة من ربنا.. فغمغم الرجل شاكرا، فقالت مرارة : - ليرحم الله العذارى البريئات.. . ما أحكمك وما أشجعك! | فقالت هامسة : . ولكنك تعلم يا أبي أني تعيسة . حذار یا پنتی فإن الخواطر تتجسد في القصور وتنطق! فقالت بأسی: - ضحيت بنفسي لأوقف شلال الدم.. فتمتم : - الله حكمته ..


إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget