لغز عشتار لــ فراس السواح

لغز عشتار  لــ  فراس السواح


عندما يشرع المؤلف في الكتابة بعد فترة تحضير طويلة ، يقبل على عمله معتقدا أن جملة الأفكار التي غدت جاهزة في نهنه ، والخطوط العامة التي بعثرها على الأوراق والدفاتر والبطاقات ، هي كل ما سيقدمه مؤلفه إلى القراء، وأن جهده المقبل سوف ينصب على توضيح تلك الأفكار وصقلها وتفصيلها من خلال المنهج الذي رسمه . انه يريد من خلال عمله مشاركة الأخرين له في معارف
توصل إليها وحقائق أضناه الكدح في سبيلها ، ولكنه ما أن يسير شرطة قصيرة في طريق ظنه ممهدة سهلا ، حتى تنكشف له جسامة المهمة وفصور العدة التي تزود بها . فكل مرحلة من الطريق ترمي به إلى أخرى أشق وأوعر ، فيجد نفسه يرتاد مفازات لم يحلم بارتيادها وتنكشف أمام ناظريه افاق لم تخطر ببال . فانا وصل غايته سالما غانمأ بعد أن حثنه نفسه مرارة بالنكوص والعودة من حيث أتی ، استدار بصره إلى الوراء البعيد ، إلى نقطة البداية ، وقارن حصيلته الراهنة بأهدافه الأولى ، عرف مقدار ما علمنه الرحلة مقاسا بما كان عنده . ثم يخامره شعور غامض وخفي ، حتقي بمقدار ماهر غير مفهوم ، شعور بأنه لم يكن الا قناة مرت من خلالها حقائق كامنة في الظل منتظرة أن

تعبر عن نفسها من خلال أحد ما مستعد لبتل الوقت والجهد وأرق النقص .
ولعل أهم ما علمني أبناء العمل في هذا المؤلف ، مر وحدة التجربة الروحية للانسان عبر الزمان واختلاف المكان ، وأن كل سین و نظام مثولوجي ليس إلا نطعة ملونة صغيرة في فسيفساء بديعة زاخرة بالاجزاء التي تبدو مستقلة عن قرب ، متوحدة عن بعد ، في نظام متكامل يعطي معنى لكل جزء من أجزائه ، ويستمد معناه من هذه الأجزاء ذائها . ولعلني في ذلك قد حصلت تفصيلا ما قاله الشيخ الأكبر محي الدين بن
عربي جملة عندما المح في كتاب فصوص الحكمه إلى أن عبادة الآلهة المتعددة ليست في جوهرها إلا عبادة الإله الواحد فقال : لا وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و أي حکم ، فالعالم يعلم من عبد ، وفي أي صورة ظهر حتى عديد ، وأن التفريق والكثرة کالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية , فما عمد غير الله في كل معبود . ( أم حكمه سبوحية في كلمة نوحبه )،





في البداية ، كنت أطمح الى تقديم بحث واف عن شخصية الإلهة الأم ، أو الأم الكبرى ، في النسق الميثولوجي السوري - البابلي ، ومتوازيائها في الثقافات الكبرى المجاورة . ثم اكتشفت تدريجيا أن الحيز المكاني الثقافي ، والمدى الزمني النين حيتهما اطارا للبحث قاصرا عن الاحاطة بالموضوع ، كان تنبع الأم الكبرى بيوغل بي زمنية إلى ما وراء حنود التاريخ حيث وجدت نفسي أودع النصوص المكتوبة مجتازة عتبة ما قبل التاريخ حيث لا شواهد وعلامات سوى الأدوات الحجرية وأعمال الانسان الفنية الأولى ، وكان اقتفاء أثر قدميها على الأرض يأخلني في الاتجاهات الأربعة حنی ترت الكرة المعمورة راجعة إلى نقطة المبندی ، وشيئا فشيئة كنت أتبين أن البحث في مثولوجيا الأم الكبرى ليس بحثا في موضوع محدد ، بل هو بحث في جوهر الأسطورة ومبينها وغاياتها لأنها المحور الأساسي الذي دارت حوله أساطير الثقافات البشرية وعنه شبعت وتفرقت . ومن خلال البحث تكونت النظرية التي تلم شتات الملاحظات في كل واحد فنفمها وتعطيها المعنى . وكما تكونت النظرية من خضم البحث ، لا سابقة عليه ولا موجهة له ، كذلك جعلتها تتفتح تلقائيا عبر صفحات الكتاب دون أن اعمد إلى بسطها ثم انفق الجهد في اثباتها ، فأنا لأطمح إلى وضع تفسير شامل لايأتيه الباطل من أمام أر وراء ، بل اطمح لاثارة الأسئلة عند من سبحاورهم هذا الكتاب ويحاورونه لا لاعطاء الأجوبة
ورغم أني قد قامت الملامح العامة للنظرية في الفصل الأول ، فان الفصول


الباقية يجب ألا تعتبر بحال من الأحوال جهدا منصبا کی اثبات الأطروحات الأولى ، لأنني في الحقيقة قد كتبت الفصل الأول اخر ماكتبت لا لوله ، فكان بالنسبة لي نتيجة لا نرضأ مسبقة موجهة للبحث . من هنا ، يستطيع أي قارفه ان يصرف النظر عنه انا شاه دون أن يفقد البحث مضمونه ورحلته وتمامکه.
أخيرا . لقد كان من الأهداف الأساسية المنهجي في البحث ، تقدیم کتاب سهل التناول اللقاريه غير المتخصص ، وإقامة حوار على المستوى العالمي مع الحلقات المهنية والمتخصصة بهذا الموضوع . كل ما ترجوه أن لا أكون قد ضحيت بأحد منین الهدفين لحساب الاخر .

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget