ساحل البحر، الساعة 4
: ۲۱ ص رغم العلو، وقرب الاكتال، لم يسبغ القمر على البحر سوى مزيد من الغموض، الظلام یکسو الأفق إلا من أضواء مشاعل بعيدة تتوهج وتخفت كأنفاس تائم، السحب كثيفة تدفعها رياح صاخبة، الأمواج تهدر بغضب وتثير زيا، تطارد «داروين» الذي أصر على الخروج ورائي، تدفن في الرمال قدمي، زجاجة مياهي، وقوائم کرسي أجلس عليه منذ ساعة، أعيد مشاهدة الحلم في العدسة
للمرة السابعة بعد تعديله إلى الزمن الطبيعي زمن الحلم: ۵
. ۲ ثانية الزمن الحقيقي: ۵۱٫۱ ثانية
الحلم يحدث في الليل، أرى نفسي نحيلا، وأصغر سنا، ربما من عشر سنوات، قبل أن أترك العنان للحيني، وقبل أن يتخلل الأبيض السواد، عاري الصدر حافي القدمين أرتدي بنطلونا من الكتان، جالس على رصيف ميناء مهجور من السفن والبشر، أنظر إلى سماء ساحرة، مساء تسبح فيها قناديل وردية طويلة الأهداب ! تنبض بنور پسري في أجسادها بتناغم كل بضع ثوان، مفتون لم أقو على الرمش حتی جذبني البريق، بريق أني من قاع البحر، مسافة أمتار سمحت لي برؤيته، مثال متقن لسيدة في رداء أزرق بکشف كتفين ناصعتين، ووشاح أبيض، تقف بثبات على قاع البحر بين الشعاب المرجانية، خصلات شعرها حمراء داكنة، ثموجة تصل لمنتصف الظهر، ضیقت حدقتي استيعابا، كان ذلك حين تحرك راسها بهدوء، تجاهیا تجمدت لما أدركت الحياة فيها، انتفضت فوقفت، ودون تفكير حبست في صدري نقشا قفزت به إلى البحر متجاهلا القرش السابح بجانبها.. واصطدمت بالسطح اسقطت فتی الكت نفسي حتى اعتقلت ثم قمت مغمورا بالدهشة، لامست المياه الثابتة كلوح من الزجاج، ثم مرت عليها بحذر کا سار المسيح يوما، حتى وصلت إلى سيدة البحر، جثوت على ركبتي لأتفحصها، ثم رفعت قبضتي و هويت على سطح المياه
الشفاف، ببطء شديد لا أعرف له سيئا، ولما يئست وقفت فقفزت حتى تشخ سطح البحر فسقطت في المياه، الغشاوة ضريت حدقتي، واخترقت البرودة عظامي، دفعت الماء بسائي ثم أفرغت ري كي يسهل السقوط إليها، لامست القاع فتوازنت، خطوت نحوها مقاوما طحالب تعرقلئي، انتظرت التيار أن يرسل شعرها بعيدا عن وجهها ففعل. کالمرمر بیضاء، عينان واسعتان ورموش كثيفة، أنف دقيق، وشقتان مستديرتان في لون العنب القاني انفرجنا عن ابتسامة آسرة، انتابتني نشوة عجيبة ثم تهت أن صدري لا يطلب الهواء عن عمدا چرت برمائيا في بضع ثوان! وایتسمت صاحبة الرداء الأزرق، قبل أن تمد إلي رسا موشوما بأصابع بیائو، تلف حوله كالسوار، مددت يدي لألمسها فالتقطت أذناي وقع نبضة هائلة، التفت ورائي فرايت القناديل تسقط في الماء، تنهمر، والظلمة تضرب القاع مفترية | کاخطبوط عملاق قرر الفرار فيث حبره، تملكتي الفزع فالتفت إلى السيدة التي لم تعد حيث تركتها، اختفت، ثلاشت، كان ذلك آخر ما رأيت قبل أن تحيطني الظلمة.
نهاية الحلم رجعت بالزمن لحظات للوراء حتى توقفت عند وجه السيدة، فربته وتمعنت فيه ... من أنت؟
أي شخص غيري سيدرج هذا الحلم ضمن الأضغاث والهذيان، لكن الحدث يبدو فريدا لمن توقف عقله عن إنتاجها، فمنذ ثلاث سنوات تشوشت أحلامي کارسال ضعيف من محطة راديو قديمة، شذرات مبهمة أفث وراءها حين أستيقظ، لتسرب من راسي کالمياه من الأصابع قبل أن أعتدل في فراشي، لم أعيا في البداية، عزوت ذلك لعطب أصابني مع بلوغ الأربعين، ضعف في نشاط الفص الجبهي المسئول عن تذكر الأحلام، وقلة نوم تصل إلى أربع ساعات يوميا، تناولت الأقراص ومارست النوم ساعة إضافية، لكن الأحلام انعدمت تماما، صرت أنام کحجر ثقيل في بشر، حتى رأيت العين الثالثة عدسة العيثا ملأت أخبارها السمع والبصر ، لم أستطع مقاومة العبارة المكتوبة في الإعلان:
اسځل أحلامك واسترجعها وقتما تشاء، وشاركها مع الآخرين.
كان ذلك كافيا لإثارة فضولي، خلعت النظارة القديمة التي أنتمي لجيلها، وارتديت عدسة العين الثالثة، اتخذت يومين حتى أستوعب مميزاتها، فهي كالنظارة القديمة في خصائصها لكنها تلاصقك أثناء النوم، أثناء الجنس، وحتى في السباحة، تنظر معك لأي شيء فتنشر من حوله البيانات مجسمة، تاریخ صنعه، كفاءته وكيفية عمله، تستطيع أن تتحكم في أرصدتك عن طريقها، تسجل أحداث يومك من وجهة نظرك بدقة عالية، توفر لك الاسترخاء عن طريق التنويم اللوني أو المشاهد الجنسية المحفزة، تصب فتون الموسيقى والأفلام في الحواس، تقرؤك بيولوجيا وتحلل كفاءة أعضائك بتقرير مفصل، بالإضافة التسجيل أحلامك، مشاركتها مع الآخرين على الشبكة، عرضها للبيع أو محوها، تنفذ « العين الثالثة، أو امرك كجن مصباح تطلق الإمكانيات، هكذا حصلت على أول أحلامي، بعد شهور گنت أقرأ فيها كل صباح كلمة «لا أحلامه، تومض باحباط في طرف عيني، لأنيقظ اليوم قبل الفجر بدقائق - میعاد أرقي المعتاد - بنبضات قلب تهزني، عرق غزير، وكلمة احلم واحده تتوهج بانتظام في حلقتي، قمت على أطراف أصابعي محاولا ألا أوقظ امريم»، فأجمل حالاتها وهي نائمة، خرجت من البيت إلى البحر، يتبعني الشغف، وكلبي المتيم بالسرطانات الصغيرة، أطفأت نباحه بأمر من العدسة، غرست في الرمال کرسیا ارتعبت عليه، واعدت مشاهدة الحلم مرات لم أحصها، حتى قاطعني نداء هامس في العدسة
- نديم .. إنت فين؟
إرسال تعليق