نوم قليل وفترة انتظار ثملة بالدفء تحت الغطاء الثقيل. النافذة تنضح بضياء خفيف ولكنه يتجلی بقوة في ظلام الحجرة الدامس، اللهم إني أنام بأمرك وأصحو بأمرك وإنك مالك كل شيء. ها هو أذان الفجر يفتتح يومي الجديد، ويسبح في بحر الصمت الشامل هاتفا باسمك . اللهم عونك لهجر حنان الفراش والخروج إلى قسوة برد هذا الشتاء الطويل. حبيبي يغط في نومه في الفراش الآخر فلاتلمس طريقي في الظلام أن أوقظه. ما أبرد ماء الوضوء ولكني أستمد الحرارة من رحمتك. الصلاة لقاء وفناء. من أحب لقاء الله أحب الله
لقاءه . كل
يوم لا أزداد فيه علما بقربني إلى الله فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم.. أنتزع نفسي من تأملاتي أخيرا لأوقظ النيام. أنا منبه هذه الأسرة المرهفة. حسن ألا تخلو من نفع وإنني في هذا العمر. طاعن في السن منين الصحة بفضل الله . لابأس أن أضيء المصباح الآن. وأنقر باب الحجرة بأصبعي هاتفا «فواز، حتى أسمع صوته وهو يقول : اصباح الخير يا أبي. أرجع إلى حجرتى وأضيء مصباحها أيضا فاری حفیدی مستغرقا في نومه لا يبدو منه إلا وسط وجهه بین حافتي الغطاء والطاقية، ما باليد حيلة . على أن أخرجه من دنيا الراحة إلى الجحيم. وأهمس بقلب مفعم بالعطف عليه وعلى جبله اعلوان .. اصح. ويفتح عينيه العسليتين، ويتثاءب، ويقول بأسما: «صباح الخير يا جدی»، ويعقب ذلك حركة أقدام، ونشاط ألسنة. وحياة تدب ما بين
الحمام وحجرة السفرة. واستمع إلى قرآن الصباح في الراديو حتی تناديني هناء زوجة ابني السفرة جاهزة يا عمى». أهم ما بقى لي في مرات الدنيا الطعام. ما أكثر نعم الله في دنياه , اللهم جنبني المرض والعجز. لا أحد ثمة للعناية بالآخرين، ولا فائض مال للتمريض . الويل لمن يسقط . يجمعنا في الصباح المدمس وحده أو الطعمية. هما معا أهم من قناة السويس . سحقا لعهد البيض والجبن والبسطرمة والمربی، ذلك عهد بائد، أو ق.ا. أي قبل الانفتاح. الأسعار جنت، كل شيء قد جن. ما زال فواز مائلا للبدانة، وهو يستعين بالخبز، ومثله هناء ولكنها تسرع نحو الكير قبل الأوان. این خمسين يبدو اليوم كأنه ابن ستين. وقال فواز بصوته الجهير :
- سنعمل أياما صباحا ومساء بالوزارة فأضطر إلى الانقطاع عن
الشركة ..
ساورني قلق. إنه وزوجه يعملان في شركة قطاع خاص. ودخلهما ومعاشی ومرتب علوان تفي بالكاد بضرورات الحياة فما الحال إذا استغنت عنه الشركة؟!
فقلت برجاء: لعلها أيام قليلة . وقالت هناء . سأقوم ببعض عملك وآتيك بما لم ينجز منه واشرح لمدير القسم
ظروفك.. فقال فواز متسخطا : - هذا يعني أن أعمل من الصباح حتى منتصف الليل.
اتمنى دائما ألا نثير غبار الهموم على المائدة ولكن كيف؟ ونال علوان :
. والد أستاذتي علياء سميح يسوق تاكسي في أوقات فراغه ويربح
أكثر طبعا. فسأله والده : . هل يملك التاكسی؟ . أظن ذلك. . ومن أين لي بشراء واحد؟! وهل كان أبو أستاذتك غنيا أو
مرتشبا؟ - كل ما أعرفه أنه رجل محترم . فقلت: ۔ اختار طريقا شريفا في النهاية . فقال علوان ضاحكا: . لعلى أختار طريقا مثله يوما ما. فسألته هناء بجدية : - ماذا ستفعل؟ . سأكون عصابة للسطو على البنوك! فقال فواز بامتعاض: .خير ما تفعل.
ومسحت الأطباق مسحا، ومضت بها هناء إلى المطبخ، وما لبثوا أن ودعونی وذهبوا، وجدتني في الشقة الصغيرة وحبدا كالعادة. اللهم ارزقهم واكفهم شر الأيام. اللهم امنحني شيئا من نعمة القرب والولاية. لو تركت البيت على حاله لبني ملهوجا في فوضى شاملة حتى المساء . أفعل ما أستطيع في حجرة نومي، وحجرة المعيشة حيث أمضي وحدتی مستمعا للقرآن والأغاني والأخبار في رحاب الراديو أو
إرسال تعليق