بينما كنت في زيارة قصيرة في عام 2009 إلى عمال مهاجرين مصريين، يعملون في شركة أمن في قطر، جاءني الحلم التالي:
كنت في قرية "نزلة الريس‘‘ شمالي مصر، خرج أتمشى في الحقول مع صديقي القديم م. وفجأة وصلنا إلى مبنى إداري ضخم وحديث. المبنى المكون من سبعة إلى عشرة طوابق والمشيد بزجاج داكن ومعدن، كان يشغل مربعا كبيرا وسط الريف المصري،
وفي منتصفه محطة قطار عالي السرعة حديث الصناعة وكان جديدا بدور، يأخذك إلى القاهرة في نصف ساعة بدلا من عن ثلاث ساعات. قلت: ” حلو جدا، دلوقت ممکن آجي من القاهرة الهنا بالقطر السريع، وأتمشي لغاية البلد». قال لي م: إن هذه هي القرية الذكية رقم 2، والمبنية نسخة طبق الأصل من القرية الذكية على مشارف القاهرة (وهو مشروع كبير مرموق مستلهم من مشروعات مشابهة في الخليج، انظر: 2013
الذهاب إلى مكان مثل الدوحة بجعلك مضطربا في إحساسك بالواقع. الطريقة التي جمع بها هذا الحلم مشهد الحداثة المفرطة البراقة، والمكان الريفي الذي جاء منه اثنان من أصدقائي ومحادثيني في الدوحة، تعكس على الأرجح ارتباكي الشخصي إزاء الواقع الذي يصادفه العمال المهاجرين الذين أقمت معهم.
في المساء السابق كنث ذهب مع توفيق الذي يعمل حارس أمن في بنك في منطقة وسط البلد في الدوحة ، إلى زيارة لصديقنا المشترك عمرو) (والاثنان من نزلة الريس) في الاتحاد القطري لكرة القدم، حيث رأيته يحتل كاونتر الاستقبال في المدخل، ويعمل بدوره حارس أمن المنطقة حول الإستاد وأكاديمية أسباير للرياضة هي واحدة من الفضاءات الأكثر إفراطا في الحداثة في الدوحة، وإلى جوارها "فيلاجيو"، من مولات المدينة الأبهى والأعظم. فيلاجيو منطقة تحاكي فينيسيا، حيث بنيت جميع المتاجر على غرار البيوت الإيطالية، لكن وكأنها صنعت في ديزني لاند. هناك قناة يمكنك أن تنزل فيها بقارب الجوندولا، وهناك منطقة للتزلج على الجليد، والسقف مطل بحيث يحاكي مظهره السماء، أزرق وفيه سحب بيضاء وأضواء مخبوءة. كان مساء الخميس، والمول ممتلئ عن آخره. دخلت مع توفيق لشراء بعض الطعام لنتقاسمه مع عمرو في مكان عمله.
انتاب توفيق شيء من السحر في البداية، وقد أسعده أن يرى الشابات الكثيرات في ثيابهن الجذابة، ثم أحس بالتشتت، وأخيرا بالانزعاج. قال:
دلوقت عرفت قد أيه مصر بنت ناس. ده زيف، ده ترومان شو. عمري ما مصر وحشتني زي دلوقت.“
شيئان أزعجا توفيق. أولا كان يكره فيلاجيو مول؛ لأنها استعراض متطرف للإنفاق بإفراط في وجه الاستغلال الذي يواجهه وجميع العمال الآخرين في قطر. توفيق نفسه كان مضطرا العد كل مليم في راتبه الزهيد. ككل العمال المهاجرين الآخرين الذين قابلتهم، كان حريصا كل الحرص على الانتباه للأسعار، وكان مستاء من أي شخص -بمن فيهم القادرين على الإنفاق - ينفق أكثر من الضروري. رأى الإنفاق المفرط مسيئا إلى وضعه في النظام الطبقي، وإلى هدفه الأساسي من الوجود هنا: ادخار الفلوس لمستقبله.
والآخر، كان توفيق يكره المول؛ لأنه محاكاة شاملة ومتكاملة. مقارنة المول بفيلم "ترومان شو“ الهوليودي حيث البطل - ترومان - هو بطل برنامج تلفزيوني لمحاكاة الحياة دون أن يعرف، تعني أن توفيق وصف المول بعالم مصطنع يستحيل فيه أن يجد موطئ قدم للعالم الحقيقي (الذي صرح بأن مكانه مصر)، هذه الملاحظة التي أدلى بها تردد صدى مفهوم اكتسب قدرا من الوجاهة في دراسة الخليج العربي: ال "هايبر واقع، أو
كنت في قرية "نزلة الريس‘‘ شمالي مصر، خرج أتمشى في الحقول مع صديقي القديم م. وفجأة وصلنا إلى مبنى إداري ضخم وحديث. المبنى المكون من سبعة إلى عشرة طوابق والمشيد بزجاج داكن ومعدن، كان يشغل مربعا كبيرا وسط الريف المصري،
وفي منتصفه محطة قطار عالي السرعة حديث الصناعة وكان جديدا بدور، يأخذك إلى القاهرة في نصف ساعة بدلا من عن ثلاث ساعات. قلت: ” حلو جدا، دلوقت ممکن آجي من القاهرة الهنا بالقطر السريع، وأتمشي لغاية البلد». قال لي م: إن هذه هي القرية الذكية رقم 2، والمبنية نسخة طبق الأصل من القرية الذكية على مشارف القاهرة (وهو مشروع كبير مرموق مستلهم من مشروعات مشابهة في الخليج، انظر: 2013
الذهاب إلى مكان مثل الدوحة بجعلك مضطربا في إحساسك بالواقع. الطريقة التي جمع بها هذا الحلم مشهد الحداثة المفرطة البراقة، والمكان الريفي الذي جاء منه اثنان من أصدقائي ومحادثيني في الدوحة، تعكس على الأرجح ارتباكي الشخصي إزاء الواقع الذي يصادفه العمال المهاجرين الذين أقمت معهم.
في المساء السابق كنث ذهب مع توفيق الذي يعمل حارس أمن في بنك في منطقة وسط البلد في الدوحة ، إلى زيارة لصديقنا المشترك عمرو) (والاثنان من نزلة الريس) في الاتحاد القطري لكرة القدم، حيث رأيته يحتل كاونتر الاستقبال في المدخل، ويعمل بدوره حارس أمن المنطقة حول الإستاد وأكاديمية أسباير للرياضة هي واحدة من الفضاءات الأكثر إفراطا في الحداثة في الدوحة، وإلى جوارها "فيلاجيو"، من مولات المدينة الأبهى والأعظم. فيلاجيو منطقة تحاكي فينيسيا، حيث بنيت جميع المتاجر على غرار البيوت الإيطالية، لكن وكأنها صنعت في ديزني لاند. هناك قناة يمكنك أن تنزل فيها بقارب الجوندولا، وهناك منطقة للتزلج على الجليد، والسقف مطل بحيث يحاكي مظهره السماء، أزرق وفيه سحب بيضاء وأضواء مخبوءة. كان مساء الخميس، والمول ممتلئ عن آخره. دخلت مع توفيق لشراء بعض الطعام لنتقاسمه مع عمرو في مكان عمله.
انتاب توفيق شيء من السحر في البداية، وقد أسعده أن يرى الشابات الكثيرات في ثيابهن الجذابة، ثم أحس بالتشتت، وأخيرا بالانزعاج. قال:
دلوقت عرفت قد أيه مصر بنت ناس. ده زيف، ده ترومان شو. عمري ما مصر وحشتني زي دلوقت.“
شيئان أزعجا توفيق. أولا كان يكره فيلاجيو مول؛ لأنها استعراض متطرف للإنفاق بإفراط في وجه الاستغلال الذي يواجهه وجميع العمال الآخرين في قطر. توفيق نفسه كان مضطرا العد كل مليم في راتبه الزهيد. ككل العمال المهاجرين الآخرين الذين قابلتهم، كان حريصا كل الحرص على الانتباه للأسعار، وكان مستاء من أي شخص -بمن فيهم القادرين على الإنفاق - ينفق أكثر من الضروري. رأى الإنفاق المفرط مسيئا إلى وضعه في النظام الطبقي، وإلى هدفه الأساسي من الوجود هنا: ادخار الفلوس لمستقبله.
والآخر، كان توفيق يكره المول؛ لأنه محاكاة شاملة ومتكاملة. مقارنة المول بفيلم "ترومان شو“ الهوليودي حيث البطل - ترومان - هو بطل برنامج تلفزيوني لمحاكاة الحياة دون أن يعرف، تعني أن توفيق وصف المول بعالم مصطنع يستحيل فيه أن يجد موطئ قدم للعالم الحقيقي (الذي صرح بأن مكانه مصر)، هذه الملاحظة التي أدلى بها تردد صدى مفهوم اكتسب قدرا من الوجاهة في دراسة الخليج العربي: ال "هايبر واقع، أو
إرسال تعليق