ماهية المعاصرة لــ طارق البشرى
يبدو لي أن أهم ما يواجه العالم العربي الإسلامي ، يرد من المواجهة التاريخية بين أصول الحضارة العربية الإسلامية التي سادت حتى بدايات القرن التاسع عشر دون منازع، وبين الحضارة الغربية التي رفدت مع تغلغل النفوذ الغربي السياسی والاقتصادي والعسكري منذ بداية ذلك القرن, والتاريخ العربي الإسلامي خلال القرنين الأخيرين يرتبط بهذه المواجهة في كل جوانبه
. . . وعلى مدى القرن التاسع عشر ، فإن المواجهة السياسية والعسكرية، قد شحلت ممم المفكرين والقادة السياسيين العرب والمسلمين
، يفتشون عن مكامن القوة في الغرب ويحاولون نقلها، وعن مكامن الضعف في أنفسهم ويعملون على تلافيها وجری گل ذلك، سواء في مجال الإنتاج والدفاع العسكري، أو في النظم والأساليب والأفكار والقيم. ومن الطبيعي في مثل هذا السعي، أن تتشعب وجوه النظر مذاهب وقيادات، وأن تتنوع التجارب.
ثم كان للقوة العسكرية والسياسية الغربية المؤيدة بالتفوق العلمي والتنظيمي، ما اختل به میزان التقدير في أيدي هؤلاء المفكرين والقادة، من ناحية مدى الجبر والاختيار في تحديد ما ياخذون عن الغرب، وما يدعون من نظمهم وأفكارهم وأصول حضارتهم وعقائدهم، وجاء الاقتحام العسكري والسياسي ، فاضطربت تماما معايير الانتقاء لا يفيد العرب والمسلمين من منجزات الغرب، وشلت القدرة على التمييز بين النافع وغير النافع، وانطمست الفروق بين التجديد والتقليد، وبين النهوض والتغيير، وبين الإصلاح والاستبدال .
ویدولى في هذا السياق التاريخي العام، أن العالم العربي والإسلامي الآن يعيد ترتيب الأوضاع ودراسة تجارب السنين الماضية، ويعيد البحث في الصيغ المناسبة
المعالجة ما يفرضه الحاضر والمستقبل المرئي من مواجهات سياسية وحضارية ، ومن لزوم السعي للنهوض، ولمعالجة هذا الانفصام الذي يصدع المجتمع والمواطن جميعا، ويمس گیان الجماعة
وما يلح في طرح هذه المهام الآن، أنه مضی دهر طويل منذ بدات المواجهة بين العالم العربي الإسلامي وبين الغرب، وأن صيغا طرحت وجربت، وأن نتائج للنهوض والانتكاس غفلت، وكل ذلك قد يستوجب الوقوف لتأمل التجارب والصيغ وحصيلتها. إن الوضع الفكري الراهن يمثل - في تصوری - وقفة تاريخية للمراجعة والتدبر، ولعل هذا التصور يجد سنده فيها يشاهد من توجه الكثير من البحوث والندوات للتأمل في هذه الناحية ، وإعادة الكشف عن المورد الفكري والحضاري للمقاومة والمشروعات الاستقلال والنهوض.
إن السؤال الكبير الذي ينطرح الآن، يتعلق بها ناخذ وما ندع، من الموروث والوافد . لقد انطرح هذا السؤال طوال الأعوام المائة الأخيرة. ولكن يمكني الزعم بأن « التخييره الذي يعرضه هذا السوال قد اختلفت موازينه الآن، عما كانت منذ مائة عام. كنا في الماضي نقف على أرض الموروث، ونتحاور فيها يصلح لها من حضارة الغرب وأدواته ، لندخله عندنا، ثم صرنا - او صارت، کثرتنا - نقف على أرض الوافد أو أرض خليط ، ونتحدث عن : التراثا بفمير الغائب، ونتحاور فيها نستحضره منه . ونحن نتساءل الآن عما نستدعي من «التراث»، بعد أن كان آباؤنا يتساءلون عما يأخذون من «الوافدة
إن هذه النقطة في ظنی مهمة، لأنها تتعلق بوضع المسالة وكيف نشرع في بحثها . واحتمال الوصول إلى الجواب الصحيح، يقتضي طرح السؤال الصحيح . ولكي ينضح وجه المسألة كي اراه ، أقول : إن السؤال لماذا تأخذ من التراث؟»، پستوجب التسارت عمن نحن وما التراث. والتخيير يفيد انفصالا وتحررا، والتراث إرث، أيا كانت درجة الحوقه بالوارث وقربه منه، فهو يفيد معنى التلفي والطروء. ونحن عندما تتحدث عما تأخذ وما ندع من الموروث والوافد، نكون قد سوينا بينها، كما لو كنا بعيدين وخارجين عنهما معا، نكون قد وضعناهما معا، كالسلع في واجهات المحال. ونكون قد غفلنا عن علاقة الصراع والحوار القائمة بينهما، وعن أننا متضمنون في واحد من أطراف مده العلاقة، فيتأكد السؤال عمن نكون نحن إذن، وما المعيار الذي نصطنعه ونحتكم إليه فيها نختار، وإذا كانت المنفعة هي المعيار، فهي في النهاية مردودة إلى الذات، ولا تصلح بديلا عنها ؛ لأن معرفة ما ينفع تقتضي إدراك خصائص هذه الذات التي تنتفع
وتضار
والتراث هو ما آل إلى مجتمع راهن عن الأجيال الغابرة له، من قيم ونظم وأفكاره ومن عادات وأخلاق وآداب ، ولا جناح في فهم تراث أي جماعة على هذا النحو، ما دام حاضرها موصول الروابط التاريخية بتلك الأجيال الغابرة، ومنحدرا منها؛ فيكون التقسيم بين التراث والمعاصرة تقسيها زمنيا أفضى فيه السابق إلى اللاحق، ولكني أكاد أزعم أن ما نسميه معاصرا لدينا من القيم والنظم والأفكار... إلخ، لم ينحدر من ماضينا متميزا عنه بمحض اختلاف الزمان، وإنها وفد إلينا اقتحاما، وأفاد القطيعة من ذلك الماضي. فالتراث في واقعنا الحاضر، هو مجمل من الأفكار والقيم والنظم تتميز بأصول وكليات الحسرت عيا هو قائم ومعيش الآن، أو زرحمت ونزعت من أصول وكليات وفدت،
لم يكن لفظ التراثا برد كثيرا على السنة الكتاب وأقلامهم من الأجيال السابقة علينا. ولا هو يرد كثيرا الآن في أقوال ذوي المورد : التراثي، وكتاباتهم ، ذلك، أن أولئك وهؤلاء ، وهم وقوف على أرض التراث، لا يتساءلون عيا ياخذون منه . إنها يجتهدون إما في الذود عنه، وإما في وجوه الإصلاح له، والتنقيح فيه من النظم والصيغ الوافدة . وهم في عدم استخدام لفظ التراث، يدركون وجوه الانقطاع بين ما يقفون عنده وما وقد وشاع من أصول وكليات غريبة عنه، وهم يؤثرون الاسم الدال على الهوية وما ينتمون إليه، وهو « الإسلام ، يواجهون به غوائل الاجتثاث، في تلك المواجهة التاريخية الصعبة.
وفي المقابل، يجری استخدام لفظ التراث ، بين الجمهرة من أبناء الفكر الوافد، للدلالة على المفهوم نفسه، ولكن مع تحرر الذات عنه، ومع ابتعاده عن الهوية ، ذلك، أنهم يؤثرون وضع المسألة في إطار مفاضلة بين فكر غير وفكر وفد. وهم بين الغابر والوافد متحررون ويختارون، هم خارجون، فالتراث هنا يشير إلى الإسلام بضمير الغائب الغائب عن المتكلم أو عن المخاطب أو كليهياء التراث هنا لا يدل على ماضی موصول بالحاضر وافضی إليه ، برغم ما يختلفان فيه لاختلاف الزمان ، ولكنه يدل على الغابر المنقطع ، وهم وقوف على غير أرضه، وهو واقع مضي ، وهم يستطلعونه عسی أن يلتقطوا منه ما ينفعهم بغير التزام ولا ارتباط .
إن صح هذا العرض، كان معناه أن « التراثيين، يؤثرون استخدام لفظ الإسلام، وأن اذری الفكر الوافد» يؤثرون استخدام لفظ التراث. وهذه مفارقة . وهي لم ترد عن مجرد اختلافهم في التعبير عن مسمی واحد، ولكنها وردت من اختلافهم في الموقف ؛ لأن الأولين يرون في المسمی کیانا حيا ينهض ويناهض ، وهم إليه بنتمون ، بينما يرى فيها الأخرون نظا ونیا خلت وانفصلت عن ذواتهم. الأولون يرون في العلاقة بين الموروث
يبدو لي أن أهم ما يواجه العالم العربي الإسلامي ، يرد من المواجهة التاريخية بين أصول الحضارة العربية الإسلامية التي سادت حتى بدايات القرن التاسع عشر دون منازع، وبين الحضارة الغربية التي رفدت مع تغلغل النفوذ الغربي السياسی والاقتصادي والعسكري منذ بداية ذلك القرن, والتاريخ العربي الإسلامي خلال القرنين الأخيرين يرتبط بهذه المواجهة في كل جوانبه
. . . وعلى مدى القرن التاسع عشر ، فإن المواجهة السياسية والعسكرية، قد شحلت ممم المفكرين والقادة السياسيين العرب والمسلمين
، يفتشون عن مكامن القوة في الغرب ويحاولون نقلها، وعن مكامن الضعف في أنفسهم ويعملون على تلافيها وجری گل ذلك، سواء في مجال الإنتاج والدفاع العسكري، أو في النظم والأساليب والأفكار والقيم. ومن الطبيعي في مثل هذا السعي، أن تتشعب وجوه النظر مذاهب وقيادات، وأن تتنوع التجارب.
ثم كان للقوة العسكرية والسياسية الغربية المؤيدة بالتفوق العلمي والتنظيمي، ما اختل به میزان التقدير في أيدي هؤلاء المفكرين والقادة، من ناحية مدى الجبر والاختيار في تحديد ما ياخذون عن الغرب، وما يدعون من نظمهم وأفكارهم وأصول حضارتهم وعقائدهم، وجاء الاقتحام العسكري والسياسي ، فاضطربت تماما معايير الانتقاء لا يفيد العرب والمسلمين من منجزات الغرب، وشلت القدرة على التمييز بين النافع وغير النافع، وانطمست الفروق بين التجديد والتقليد، وبين النهوض والتغيير، وبين الإصلاح والاستبدال .
ویدولى في هذا السياق التاريخي العام، أن العالم العربي والإسلامي الآن يعيد ترتيب الأوضاع ودراسة تجارب السنين الماضية، ويعيد البحث في الصيغ المناسبة
المعالجة ما يفرضه الحاضر والمستقبل المرئي من مواجهات سياسية وحضارية ، ومن لزوم السعي للنهوض، ولمعالجة هذا الانفصام الذي يصدع المجتمع والمواطن جميعا، ويمس گیان الجماعة
وما يلح في طرح هذه المهام الآن، أنه مضی دهر طويل منذ بدات المواجهة بين العالم العربي الإسلامي وبين الغرب، وأن صيغا طرحت وجربت، وأن نتائج للنهوض والانتكاس غفلت، وكل ذلك قد يستوجب الوقوف لتأمل التجارب والصيغ وحصيلتها. إن الوضع الفكري الراهن يمثل - في تصوری - وقفة تاريخية للمراجعة والتدبر، ولعل هذا التصور يجد سنده فيها يشاهد من توجه الكثير من البحوث والندوات للتأمل في هذه الناحية ، وإعادة الكشف عن المورد الفكري والحضاري للمقاومة والمشروعات الاستقلال والنهوض.
إن السؤال الكبير الذي ينطرح الآن، يتعلق بها ناخذ وما ندع، من الموروث والوافد . لقد انطرح هذا السؤال طوال الأعوام المائة الأخيرة. ولكن يمكني الزعم بأن « التخييره الذي يعرضه هذا السوال قد اختلفت موازينه الآن، عما كانت منذ مائة عام. كنا في الماضي نقف على أرض الموروث، ونتحاور فيها يصلح لها من حضارة الغرب وأدواته ، لندخله عندنا، ثم صرنا - او صارت، کثرتنا - نقف على أرض الوافد أو أرض خليط ، ونتحدث عن : التراثا بفمير الغائب، ونتحاور فيها نستحضره منه . ونحن نتساءل الآن عما نستدعي من «التراث»، بعد أن كان آباؤنا يتساءلون عما يأخذون من «الوافدة
إن هذه النقطة في ظنی مهمة، لأنها تتعلق بوضع المسالة وكيف نشرع في بحثها . واحتمال الوصول إلى الجواب الصحيح، يقتضي طرح السؤال الصحيح . ولكي ينضح وجه المسألة كي اراه ، أقول : إن السؤال لماذا تأخذ من التراث؟»، پستوجب التسارت عمن نحن وما التراث. والتخيير يفيد انفصالا وتحررا، والتراث إرث، أيا كانت درجة الحوقه بالوارث وقربه منه، فهو يفيد معنى التلفي والطروء. ونحن عندما تتحدث عما تأخذ وما ندع من الموروث والوافد، نكون قد سوينا بينها، كما لو كنا بعيدين وخارجين عنهما معا، نكون قد وضعناهما معا، كالسلع في واجهات المحال. ونكون قد غفلنا عن علاقة الصراع والحوار القائمة بينهما، وعن أننا متضمنون في واحد من أطراف مده العلاقة، فيتأكد السؤال عمن نكون نحن إذن، وما المعيار الذي نصطنعه ونحتكم إليه فيها نختار، وإذا كانت المنفعة هي المعيار، فهي في النهاية مردودة إلى الذات، ولا تصلح بديلا عنها ؛ لأن معرفة ما ينفع تقتضي إدراك خصائص هذه الذات التي تنتفع
وتضار
والتراث هو ما آل إلى مجتمع راهن عن الأجيال الغابرة له، من قيم ونظم وأفكاره ومن عادات وأخلاق وآداب ، ولا جناح في فهم تراث أي جماعة على هذا النحو، ما دام حاضرها موصول الروابط التاريخية بتلك الأجيال الغابرة، ومنحدرا منها؛ فيكون التقسيم بين التراث والمعاصرة تقسيها زمنيا أفضى فيه السابق إلى اللاحق، ولكني أكاد أزعم أن ما نسميه معاصرا لدينا من القيم والنظم والأفكار... إلخ، لم ينحدر من ماضينا متميزا عنه بمحض اختلاف الزمان، وإنها وفد إلينا اقتحاما، وأفاد القطيعة من ذلك الماضي. فالتراث في واقعنا الحاضر، هو مجمل من الأفكار والقيم والنظم تتميز بأصول وكليات الحسرت عيا هو قائم ومعيش الآن، أو زرحمت ونزعت من أصول وكليات وفدت،
لم يكن لفظ التراثا برد كثيرا على السنة الكتاب وأقلامهم من الأجيال السابقة علينا. ولا هو يرد كثيرا الآن في أقوال ذوي المورد : التراثي، وكتاباتهم ، ذلك، أن أولئك وهؤلاء ، وهم وقوف على أرض التراث، لا يتساءلون عيا ياخذون منه . إنها يجتهدون إما في الذود عنه، وإما في وجوه الإصلاح له، والتنقيح فيه من النظم والصيغ الوافدة . وهم في عدم استخدام لفظ التراث، يدركون وجوه الانقطاع بين ما يقفون عنده وما وقد وشاع من أصول وكليات غريبة عنه، وهم يؤثرون الاسم الدال على الهوية وما ينتمون إليه، وهو « الإسلام ، يواجهون به غوائل الاجتثاث، في تلك المواجهة التاريخية الصعبة.
وفي المقابل، يجری استخدام لفظ التراث ، بين الجمهرة من أبناء الفكر الوافد، للدلالة على المفهوم نفسه، ولكن مع تحرر الذات عنه، ومع ابتعاده عن الهوية ، ذلك، أنهم يؤثرون وضع المسألة في إطار مفاضلة بين فكر غير وفكر وفد. وهم بين الغابر والوافد متحررون ويختارون، هم خارجون، فالتراث هنا يشير إلى الإسلام بضمير الغائب الغائب عن المتكلم أو عن المخاطب أو كليهياء التراث هنا لا يدل على ماضی موصول بالحاضر وافضی إليه ، برغم ما يختلفان فيه لاختلاف الزمان ، ولكنه يدل على الغابر المنقطع ، وهم وقوف على غير أرضه، وهو واقع مضي ، وهم يستطلعونه عسی أن يلتقطوا منه ما ينفعهم بغير التزام ولا ارتباط .
إن صح هذا العرض، كان معناه أن « التراثيين، يؤثرون استخدام لفظ الإسلام، وأن اذری الفكر الوافد» يؤثرون استخدام لفظ التراث. وهذه مفارقة . وهي لم ترد عن مجرد اختلافهم في التعبير عن مسمی واحد، ولكنها وردت من اختلافهم في الموقف ؛ لأن الأولين يرون في المسمی کیانا حيا ينهض ويناهض ، وهم إليه بنتمون ، بينما يرى فيها الأخرون نظا ونیا خلت وانفصلت عن ذواتهم. الأولون يرون في العلاقة بين الموروث
إرسال تعليق