من فوهة القبو دائمة الظلمة زحف على أربع، زحف في بطء وتخاذل المريض المتهالك. مد ذراعه إلى جدار بیت، پتکی عليه، ليقف في عناء مثرنا، تارگا تأوهاته المتقطعة تتلاحق في وهن. وفي صباح باكر مشرق بنور الربيع الصافي والحياة تدب متدفقة في الحوانيت على الجانبين وفوق عربات اليد ونوافذ البيوت المتلاصقة العتيقة والسماء تعلو فوق كل شيء سقفا من الزرقة الرائقة. بدأ عاريا تماما، فلفت الأنظار، خاصة أنظار الأقربين، نعمة الله الفنجری تاجرة الخردة، رياض الدبش الكواء البلدي، وحلومة الجحش
بياع الفول، نفرست نعمة الله في منظره من مجلسها فوق الكرسي الخشبي أمام وكالة الخردة وجسمها العملاق ساكن في جلبابها الرجالي الأزرق وتمتمت:
- يا فتاح يا عليم فقال رياض الدبش الكواء وهو يتابعه بوجهه المغولی : - وراءه حادثة من حوادث القبو.. . فقال حلومة الجحش بجسمه القصير البدين ووجهه الريان : - يفعلها الذئاب ونتعب نحن بين س وج.
واصلت نعمة الله تفرسها حتى وضح في وجهها ذلك المزيج الغريب المكون من قوة مخيفة وأنوثة ناضجة مكشوفة ثم قالت بنبرة خبير:
۔ ابن ناس!
تجلى الاهتمام في عيني الرجلين فتبادلا نظرة معبرة ربطت ما بين الدكانين الواقعين في مواجهة الوكالة في الجانب المقابل ثم حدجا القادم من المجهول بنظرة جديدة . إنه شاب في الحلقة الثالثة، ناعم البشرة، مهذب الملامح، أبعد ما يكون عن الوجوه الكالحة المعهودة، ثم قال رياض الدبش مداريا انفعاله :
- اعتداء وسرقة
ومضى يتجمع حوله جمهرة من المشاهدين ولكن نعمة الله نهرتهم فتفرقوا سراعا، وجاء مخلوف زينهم من أمام العيادة في الوسط فتلقى الشاب بين يديه قبل أن يسقط فوق أديم الأرض عاجزا عن التماسك. ونادی عیدون فرجلة الشاب العامل في الوكالة فاذنت له المرأة بتلبية النداء فتعاونا ۔ مخلوف الممرض وعبدون - على حمله إلى العبادة . هناك أنامه مخلوف فوق کنبة وغطاه بملاءة منتظراندوم الطبيب محسن زياد في مبعاده من الضحى، إنه رجل كهل فقد في الحرب ابنا في مثل سنه ولا ينقصه العطف على أي شاب رغم إيلافه مناظر العناء والمرض. ولا فحصه محسن زیان الطبيب تمتم - كدمات في الرأس والجبين نتيجة ضربات شبه قائلة، علينا أن نبلغ
الشرطة . فقال مخلوف زينهم بامتعاض:| - إنهم ذئاب القبو، وستغضب نعمة الله | تبادلا نظرة تسليم واحتجاج، ثم تمتم الممرض: - إنهم تحت حماية المرأة، وهم جنودها السريون عند الحاجة، ولا
قبل لأحد بتحديها... فشرع الطبيب في العلاج وهو يقول: - ما قيمة حياة تجرى تحت رحمة امرأة كهذه؟
ولم ينقطع ذكر الشاب الضحية في موقع وكالة الحردة. شغل حلومة الجحش بزبائن القول وراح غلام في دكان رياض الدبش يسخن المكواة فوق الجمر المتقد على حين اتهمك عبدون فرجلة في ترتيب ما تبعثر من إطارات السيارات القديمة و قطع الغيار المستهلكة والمحركات والمراوح البائدة
وسألت نعمة الله عبدون عن حال الشاب الذي شارك في حمله إلى العيادة قلاح في وجهه الطويل الشاحب الضيق لاهتمامها به وقال :
- سنسمع قريبا عن موتها
فحولت رأسها المكلل بشعر أسود مفروق مسترسل في ضفيرة غليظة ملتفة حول صفحة العنق ونافذة في طوق الجلباب إلى رياض الدبش قائلة:
د سمعت ما يقول ابن التربي عن الأفندي ؟ ! فتساءل رياض الدبش مستنكرا: - الأفندي؟! | - أفندي وحياتك، أقتدي وابن ناس! |
نداری ریاض غيظه بابتسامة ميتة وإن جاری عبدون فرجلة في حنقه أما نعمة الله فتساءلت:
. ولكن ماذا جاء به إلى القبو؟ فقال رياض منقسا عن صدره : - وراء بنت من حريم الذئاب ! فقالت بحدة بصوتها الجامع بين الأنوثة والذكورة ۔ مثله لا يجري وراء خنفساء - المؤكد أن الذئاب هجموا عليه فضربوه ثم جردوه من كل شيء ..
إرسال تعليق