رحلة ابن فطومة لــ نجيب محفوظ



الحياة والموت، الحلم واليقظة، محطات للروح الحائر، يقطعها مرحله بعد مرحلة، متلقيا من الأشياء إشارات وغمزات، متخبطا في بحر الظلمات، متشبثا في عناد بأمل يتجدد باسما في غموض ، عم تبحث أبها الرحالة؟ أي العواطف يجيش بها صدرك؟ كيف تسوس
غرائزك وشطحائك؟ لم نفهقه ضاحكا كالفرسان ؟ ولم تذرف الدمع کالأطفال؟ وتشهد مسرات الأعياد الراقصة، وتری سیف الجلاد وهو يضرب الأعناق، وكل فعل جميل أو قبيح يستهل باسم الله الرحمن الرحيم . وتستأثر بوجدانك ظلال بارعة براعة الساحر مثل الأم والمعلم والحبيبة والحاجب، ظلال لا تصمد لرياح الزمن ولكن أسماءها تبقى مكللة بالخلود، ومهمانیایي المكان فسوف يظل يقطر ألفة، ويسدی ذكريات لا تنسى، ويحفر أثره في شغاف القلب باسم الوطن، سأعشق ما حييث نفثات العطارين، والمآذن والقباب ، والوجه الصبيح يضيء الزقاق، وبغال الحكم وأقدام الحفاة، وأناشيد الممسوسين وأنغام الرباب، والجياد الراقصة وأشجار اللبلاب ونوح اليمام وهديل الحمام . وتحدثنی أمی فتقول: - يوم مولدك وتهز رأسها جميل التكوين فأقول بحبور: . بل يومك هو الأصل! |

كان أبي محمد العنابی تاجر غلال مترعا بالثراء. أنجب سبعة تجار مرموقين، وعمر حتى جاوز الثمانين متمتعا بالصحة والعافية. وفي الثمانين رأى أمي الجميلة فطومة الأزهري وهي بنت سبعة عشر، آخر عنقود جزار يدعى الأزهرى قطائف فغزت قلبه وتزوج منها وأقام معها في دار رحيمة اشتراها بإسمها محدثا في أسرته غضبا وشعبا، اعتبر إخوتي الزواج لعبة قذرة غير مشروعة، واستعانوا على أبيهم بشفاعة القاضي وكبير التجار ولكنه مرق من قبضتهم مروق عاشق مسلوب الإرادة، فاعتد الزواج حقا لا يقبل المناقشة، وفارق السن وهما يتعلل به المغرضون، وراح ينهل من معين سعادته بقلب مليء بالثقة . . وجاء مولدك مؤكدا للهزيمة مجددا للغضب! |
وأقول لها كثيرا . لا حد لطمع الإنسان! |
فمنذ حداثتي وأنا أتلقى أجمل الكلمات رغم ارتطامی باقبح الفعال، وسماتی أبي اقنديل، ولكن إخوتي أطلقوا على ابن فطومة تبروا من قرابتی و تشکیکافيها. ومات أبي قبل أن يطبع صورته في وعیی نارکالنا ثروة تضمن حياة رغدة حتى آخر العمر. وقطعت الخصومة ما بيننا وبين اخوتي . وخافتهم أمي على نفسها وعلى فأطاحت بها الوساوس والظنون حتی فررت ألا ترسلني الى الكتاب. فعهدت بي الى الشيخ مغاغة الجبیلی - وكان جارا لأسرتها. ليلقئني العلم في داری. وعنه تلقيت دروسا في القرآن والحديث واللغة والحساب والأدب والفقه والتصوف والرحلات. كان في الأربعين، قويا مهیبا، ذا لحية رشيقة وعمامة عالية، وجبة أنيقة، وعينين لامعتين ثاقبني النظرة، يمد صوته المليء عند إلقاء الدرس، ويرسله على مهل وهدوء، ويذلل الصعب بجودة الشرح ورقة الابتسامة، وكانت أمی تتابع الدروس باهتمام مستفيدة من فراغها الطويل، تنصت من وراء






ستار ونحن في القاعة شتاء، ومن وراء خصاص ونحن في السلاملك في بقية الفصول، وكانت تقول لي:
. أراك سعيدا معلمك ، وهذا حظ حسن .. فأقول لها بحماس: . انه شيخ عظيم .
وكان يخصص وقتا للمناقشة، فيطرح مایری من أسئلة ولكنه يدعوني لإعلان خواطري ويعاملني معاملة الراشدين
ويوما. لا أذكر في أي فترة من العمر. سألته: . اذا كان الإسلام كما تقول فلماذا تزدحم الطرقات بالفقراء
والجهلاء؟! | فأجابني بأسى: . الإسلام اليوم قابع في الجوامع لا يتعداها إلى الخارج! ويفيض في
الحديث فيلهب الأوضاع بنيرانه ، ، حتى الوالي لا يسلم من شرره وقلت له : . إذن إبليس هو الذي يهيمن علينا لا الوحي. فقال برضات . أهنئك على قولك، إنه أكبر من سنك .. - والعمل با سيدنا الشيخ؟ فقال بهدوء - أنت ذکی، و كل آت قريب .
أما حديثه عن الرحلات فمثار للعشق والسرور، وتكشف في مجری حديثه عن رحالة قديم ، قال :
. عرفت الرحلات في صحبة المرحوم أبي فطوفنا بالمشرق
والمغرب..



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget