ديكارت والفلسفة العقلية لــ راوية عبد المنعم



لقد تتابعت المؤلفات عن دیکارت، (أبي الفلسفة الحديثة بسائر لغات العالم ومن بينها اللغة العربية، ولم يخل كتاب يؤرخ للفلسفة الأوربية الحديثة باللغة العربية إلا وكان الكلام عن دیکارت هو حجر الزاوية فيه. وعلى هذا يصبح الحديث أو البحث في مشكلات الفلسفة الديكارتية أمرا صعبا عسير المنال ما دامت طرفه ، ومداخله قد تم بحثها سواء بأسلوب البحث المرسل أم باسلوب البحث
المقارن. وكذلك فإن الأبحاث التي أنجزت عن المدرسة الديكارتية ألقت ضوء ساطعأ وتراجعيا على المذهب نفسه مما كان له أثره الكبير في دقة فهمنا الأفكار ودیکارت، ووضوح الرؤية بالنسبة لاتجاهات الفلسفة الديكارتية على وجه
العموم.
إلا أننا نجد في هذا البحث - رغم ما سقناه من مقدمات كان لا بد من تسجيلها . نجد فيه آثارة ومسحة ومحصلة للأبحاث السابقة التي أشرنا إليها عن ودیکارت
نكاتبة هذا البحث على الرغم من حداثة عهدها بالتأليف الحر المستقل في مجال الفلسفة بعد حصولها على الدكتوراه تحت إشرافنا، قد عنيت كل العناية بتتبع أخر الأبحاث التي عرفناها عن فلسفة «دیکارت، وكانت بدايتها من نقطة الانتهاء من هذه الأبحاث ، ولهذا جاء البحث في ثوب جديد وبطريقة نقدية مبتكرة لا سيما فيما عرضت له عن المنهج الديكارتي ، فهذا الفصل بالذات فيه رؤية

جديدة للفلسفة الديكارتية يندر أن نعثر عليها في مؤلف آخر بمثل هذا العمق . والدراية ، والتمكن من البحث.
وجاء الفصل الرابع لتكتمل به عناصر الجدة في الفصل الثالث ولتنهي فيه الباحثة إلى أن الشك لن ينتهي بالفكر نحسب لأنه هو والمنهج سواء بسواء ينتهيان إلى السند الإلهي ، وهكذا نتهت الفلسفة الديكارتية إلى موقف لاهوتي كان لا بد منه بقدر ما كان لها أبعادها العلمية والمنافية للدين، إلا أن الباحثة قد واجهت هذا التيار بشجاعة أدبية فائقة، رغم أن الكثرة الغالبة من المؤلفين قد حاولوا الابتعاد بديكارت وفلسفته عن التيار اللاهوني التي غرقت فيه فلسفته إلى قمة رأسها. ومع هذا فإن الباحثة شاءت أن تجرد هذا البحث من كل العناصر اللاهوتية التي تراءت لها حتى يمكن أن يطلع القاريء على نموذج متكامل لفلسفة ديكارت العقلية في نطاق المذهب العقلي الحديث في الفلسفة وهي بهذا تكتفي بالإشارة إلى الحامل اللاهوني للمذهب وتترك تفصيلاته لبحث آخر متخصص في هذه الناحية بعد أن تعطي الصورة الواضحة للفلسفة الدبكارنية
اما الفصل الخامس فقد جاء مؤيدا لما أشرنا إليه عن الاساس اللاهوتي الفلسفة الديكارتية ، وكيف أن الميتافيزيقا هي الأصول الجذرية لشجرة الفلسفة كما يشير دیکارت في كتاب «مبادىء الفلسفة
ولقد بذلت الباحثة جهدا كبيرا في عرض مشكلة الفيزيقا الديكارتية وكان دیکارت» ينزع إلى أن يجاري عصر انبثاق الفيزيقا الحديثة ، فيزيقا نیوتن وغيره من علماء عصره
وعلى الرغم من أن الفيزيقا في عمره لم تكن قد استخدمت المنهج الرياضي، في وضوح إلا أن دیکارت كان هو الذي أرهص باستخدام الرياضة في العلم بصفة عامة، ومن بينه موضوع الفيزيقا وكذلك في الفلسفة على السواء ، فيصبح دیکارت هو الرائد الحقيقي للربط بين العلم أو الفيزيقا، والرياضة هذا على الرغم من أن الأساس العقلي واللاهوتي للمذهب قد يلقيان ظلالا من الشك حول هذا النوع من الفيزيقا التي تستند إلى الامتداد المعقول. وقد كانت الباحثة دقيقة






وواضحة في تناولها لهذه المشكلات الهامة والتي تتضح من خلال نقدها الاتجاهات المذهب ووقائعه
بیقی أن نقول أن الفصلين الثاني عشر والثالث عشر قد عالجتهما الباحثة في اسلوب رصين، وكانت المشكلتان اللتان يعالجهما هذان الفصلان وهما مشكلة الأخلاق ، والجمال من المشكلات التي لا يهتم بها باحث الفلسفة الديكارتي فالكثير من المؤلفات التي صدرت عن دیکارت تهمل الكلام عن مشكلة الجمال تماما وتعطي بضعة سطور إن أمكن للكلام عن مشكلة الأخلاق ، كما لا تتعمق في الفيزيقا كما فعلت الباحثة ، مع أن دیکارت له اهتمامات بالجانب الأخلاقي نشهد بذلك رسالته في انفعالات النفس، وغيرها من مواضيع كثيرة في رسائله. وقد كان من الضروري أن تتعرض الباحثة لمشكلة الجمال في فلسفة ديكارت ذلك أن فلسفته وأسلوبه كانا يعيران عما يسمى رةة الروح Finesse de L
' Esprit ولهذا فإن الأدب الفرنسي وكذلك الموسيقى في عصر ادیکارت، واتجاهات الشعر وأشكاله Les Modes قد اكتسيت بالطابع الدي بارتي، طابع الرقة ، والوضوح، والجلاء ، أي أن معايير الجمال وقيمه في الفنون الجميلة في القرنين السابع عشر، والثامن عشر كانت كلها تستمد أصولها من النسق الديكارتي الفلسفي، حتى قبل أن تنشا الدراسات الجمالية عند «بومجارتنا في المانيا.
وهكذا يخرج هذا الكتاب إلى السوق ليضيف إلى المكتبة العربية وليؤسس سلسلة رأساطين الحكمة في صورة قوية مشرقة تبشر بالخير والتقدم، والنضج الفلسفي للباحثة الدكتورة راوية عبد المنعم عباس. وأنني انتهز هذه الفرصة وأشيد بفضل من اعانها على اجتياز هذا الطريق الصعب والوقوف إلى جانبها خلال العمل الأكاديمي الشاق رغم مشاكل الأسرة، ومعاناتها الصعبة ألا وهو الأخ المستشار محمد محمود مرسي زوج الباحثة الذي أستأذنها في أن أهدي إليه هذا الكتاب في هذه المقدمة




إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget